الشعوب دائماً ما تبتكر أساليب تعبيرية تعكس ما يدور بداخلها، مهما كانت الظروف والقيود، ولدينا مثالان بارزان يوضحان هذه الفكرة، أولاً، أغنية «يا بلح زغلول يا حلو يا بلح» لفنان الشعب سيد درويش، التي أصبحت رمزاً للالتفاف الشعبي حول الزعيم سعد زغلول أثناء ثورة 1919.
عندما منع الاحتلال الإنجليزي الناس من الهتاف باسمه مباشرة، وجد الشعب حلاً ذكيًا للتعبير عن محبتهم ودعمهم دون الوقوع تحت طائلة العقاب المفروض على من يهتف «سعد سعد يحيا سعد».
المثال الثاني يأتي من الشعب الفلسطيني، الذي واجه منع المحتل لرفع العلم الفلسطيني بابتكار شعار البطيخ، فاختاروا البطيخ لأنه في ألوانه (الأخضر والأحمر والأسود) يشبه العلم، مما شكل وسيلة ذكية للحفاظ على رمزيتهم الوطنية رغم التضييق.
لا أحد يستطيع أن يمنع الشعوب من التعبير عما تريد بأساليبها الخاصة، والمصريون من الشعوب التي برعت في استخدام الكوميديا للتعبير عن أوجاعهم وأوضاعهم الصعبة.
من خلال النكات التي تحمل في طياتها الكثير من الألم، أبدع المصريون في تحويل معاناتهم إلى مادة للضحك والسخرية، متمسكين بحكمة «شر البلية ما يضحك».
وفي الأدب والنقد، يُعرف هذا النوع من الضحك بـ«الكوميديا السوداء»، تلك التي تكشف عن الحزن الكامن خلف الابتسامة.
هذه المظاهر أصبحت جزءاً من الثقافة، وسيلة للشعور بالصمود وسط الأزمات. فسواء بالإشارة الرمزية أو النكتة الساخرة، نجد أن تلك الأساليب تؤكد مدى قدرة الشعوب على التعامل مع معاناتها بذكاء وإبداع، وكأنها هوية تجمعهم وتظهر في تفاصيل حياتهم اليومية.