لم يعد الشرق الأوسط بحاجة إلى قنابل نووية ليدمر، فخريطة واحدة تُرسم في مكاتب واشنطن أو تل أبيب كفيلة بإشعال مئات الحروب.. نحن لا نعيش زمن الصراعات فقط، بل زمن إعادة تشكيل المنطقة بالكامل.
خرائط تُرسم لا بالمداد، بل بالنار، وخطوطها تحفرها الطائرات والصواريخ والمجاعة والحصار، الشرق الأوسط الجديد ليس مستقبلًا يُصنع.. بل كارثة تتقدّم.
الشرق الأوسط اليوم يمر بمنعطفات ليست جديدة في أسمائها، لكنها تتخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا وخطورة، فالصراعات لم تعد تقتصر على الأرض أو الموارد، بل أصبحت حربًا على الهوية، على التاريخ، على الذات.
منذ أن أطلقت الولايات المتحدة مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» بعد اجتياحها للعراق، بدأت معالم المشروع تتكشف تدريجيًا، تفكيك القوى الكبرى في المنطقة، إضعاف الجيوش الوطنية، خلق كيانات طائفية متنازعة، وتحويل الشعوب إلى ضحايا أزمات مستمرة لا تنتهي.
اللاعب الأساسي لا يزال هو الولايات المتحدة، تمسك بالخيوط وتحرّك البيادق بخطط استراتيجية، تدّعي أنها تُصدر الديمقراطية بينما تُوزّع الفوضى، ومن ورائها أدوات التنفيذ الإقليمي.
إسرائيل: الذراع العسكرية للمشروع، تضرب في كل اتجاه، تحت غطاء الدعم الأمريكي اللامحدود.
تركيا: تُعيد إنتاج الطموح العثماني بلون براجماتي، وتزاحم العرب في العمق الاستراتيجي.
إيران: الدولة التي توظَّف حسب الضرورة، فتارة فزاعة، وتارة أداة استنزاف طويلة المدى.
الجماعات المتطرفة: أدوات فوضى مذهبية، تُستخدم لتفجير المجتمعات من الداخل وإلغاء فكرة الدولة.
الخرائط الجديدة تُفرض بالقوة
غزة تُحاصر وتُقصف لتتحول من قضية أمة إلى ورقة تفاوض مشروطة بإعمار مشبوه.
سوريا تُذبح منذ أكثر من عقد ليُقسّم جسدها وتُوزّع مناطقها بين احتلالات متعددة.
لبنان يُخنق اقتصاديًا لإضعاف مقاومته ولإبعاده عن أي مشروع سيادي مستقل.
ليبيا، اليمن، السودان، العراق دول انهكتها الحرب الأهلية وتمزق النسيج المجتمعي لمواطنيها
مصر تُستهدف إعلاميًا واقتصاديًا لأنها حجر الأساس لأي نهضة عربية حقيقية.
أما الآن، فإن إيران نفسها – التي طالما لعبت دور الخصم والمحرّض – أصبحت هدفًا مباشرًا لمعادلة الخرائط الجديدة، فالضربات الإسرائيلية على أراضيها، والردود الإيرانية التي وصلت للعمق الإسرائيلي، تعني أن الحرب لم تعد تدار في الساحات الهامشية فقط، بل بدأت تطرق أبواب العواصم.
الضربة الإسرائيلية الأخيرة على قلب إيران لم تكن مجرد «ردع» كما تروج تل أبيب، بل كانت إشارة واضحة على أن طهران دخلت مرحلة جديدة من الاستنزاف المقصود.. صحيح أن إيران ليست بريئة من دم المنطقة، لكنها اليوم تتحول إلى ساحة تصفية حسابات كبرى، فهل تكون الحرب القادمة حربًا شاملة؟ أم مجرد فصل جديد من فصول إعادة ترتيب الخرائط؟ في الحالتين، النار تزداد اشتعالًا، والمخطط ماضٍ في طريقه.
الدول الكبرى تعيد تمركزها
أمريكا تخطط، وتُشعل، وتُفاوض باسم «الاستقرار».
فرنسا وبريطانيا تحلمان باستعادة نفوذ فقدتاه منذ عقود.
روسيا تناور وتُحاول اقتناص موطئ قدم في الفراغات.
الصين تراقب وتستثمر وتنتظر.. لكنها لا تتورط.
والشعوب الإسلامية والعربية تائهة بين الغلاء والتهميش والحصار، تعيش يومها، وتنسى أن الأرض تُعاد كتابتها من جديد، وأن اسمها قد يُمحى من الخريطة القادمة إن لم تستيقظ.
الشرق الأوسط لا يُراد له أن يكون جديدًا.. بل مقسمًا، ضعيفًا، متناحرًا.. من لا يرسم مستقبله بيده، سيُرسم له مستقبل لا يشبهه.. ومن لا ينهض اليوم، فسيجد نفسه غدًا داخل خرائط لا وطن فيها، ولا سيادة، ولا هوية، فمن يتصدى؟ ومن يجرؤ على إطفاء النار قبل أن تلتهمنا جميعًا؟