بقلم – عباس الطرابيلى
[bctt tweet=”وسط أزمتنا الاقتصادية الطاحنة، بسبب الاعتماد شبه الكامل على استيراد كل ما نحتاجه” via=”no”].. نسأل: هل هناك من أمل؟! أقصد نأكل مما نزرع.. ونلبس مما نصنع.. لنقلل ما أمكن مما نستورده من كل شىء.. الإجابة نعم. مازال هذا الأمل ممكناً.
فالحل أن نعود إلى أعظم ما كان عندنا، وهو القرية المنتجة.. والبيت المنتج. ودون أن نتباكى على اللبن المسكوب، نقول ان كان من الصعب العودة الى ذلك كاملاً.. فلا أقل من أن نحاول.. وأن نستعيد قدرتنا على التحدى.
<< مثلاً، زمان، كان عيباً أن البيت المصرى يشترى الخبز من الفرن.. إذ كانت كل أسرة تدبر احتياجاتها.، كانت كل أسرة ـ وبالذات فى الريف ـ تمتلك الماجور.. والرحاية.. و المنخل، لكى تعد ـ داخل البيت ـ ما تحتاجه من خبز،.. وكان البيت يتوفر فيه منتجات الألبان، من جبن بيتى وسمن. وزبد، كان بلاص الجبن المعتق دائماً عامراً، وبجواره زلعة الزيتون المخلل، مع بطرمان المش الغارق في قشر اليوسفي ليزيده لذاذة وطعامة.. أيضا لم تكن القرية تشتري الفرخة أو البطة.. أو جوزين الحمام.. وحتى الأرانب. كان كل ذلك موجوداً فى البيت الفلاحى. بجانب شوال الأرز.. فهل يمكن أن نستعيد كل ذلك؟!
<< وكان البيت المصرى ـ فى المدينة ـ يتحول الى ورشة للعمل. فى دمياط مثلاً كان مصنع حرير اللوزى يسلم لسيدة البيت كميات من الحرير الطبيعى مع «بكرات» ومغزل يدوى ـ يشبه مغزل غاندى ـ وكانت عربة المصنع تسلم كل ذلك كل يوم سبت، لتعود نفس العربة كل يوم خميس وتتسلم هذا الحرير الطبيعى مغزولا على بكرات بعد أن تسهم سيدات البيت فى هذه المهمة.
وبذلك تستفيد الأسرة من الأجر الذى تحصل عليه أسبوعياً.. ويستفيد المصنع ويوفر تكاليف إنشاء مصنع لغزل الحرير.. لأن سيدات وفتيات المدينة كن يقمن بهذه المهمة.. وبذلك كان يزيد دخل الأسرة كلها.
<< وفى نفس الفترة كانت نسبة أخرى من سيدات المدينة يقبلن على شراء ماكينات الخياطة من عند توكيل سنجر بالتقسيط. وكانت الواحدة تدفع شهرياً قسطاً مالياً لا يتعدى 25 قرشاً، وفى المقابل أصبحت السيدات والفتيات يقمن بتفصيل الملابس للمعارف والجيران. بل كانت الفتاة تدخر ما سوف تحتاجه من أجل الزواج. وتسهم فى توفير أعباء الأسرة.. وعندما يجيء العريس لم تكن الفتاة تحتاج الا قنطار القطن لزوم التنجيد.. لأن كل شىء كان جاهزاً.. ومن عرق الفتاة!!
حتى عشة الفراخ اختفت من أسطح بيوت المدينة.. وأصبحت الأسرة تجرى وراء فراخ الجمعية.. أو دكر البط، أو حتى البيض، الآن أصبح هذا جزءا من التاريخ حتى الشعرية البلدى كانت سيدة البيت تعدها فى البيت.. بأقل التكاليف.
<< وفكرة مصنع اللوزى بدمياط هى نفس الفكرة الى قامت عليها نهضة اليابان إذ تحولت ـ هناك.. كما حدث عندنا ـ البيوت الى وحدات انتاج تجميعية لما تنتجه المصانع الكبرى، وربما نتذكر الراديو الترانزيستور، اليابانى، عندما كانت البيوت تتولى تصنيع أجزاء معينة من هذا الراديو، ويتولى المصنع الأم تجميع هذه الأجزاء!! وهذا هو نفس الأسلوب الذى قامت عليه النهضة الصناعية فى تايوان.. وكل الصين الحديثة، التى غزت بها كل دول العالم حتى أوروبا وأمريكا.
<< هل يمكن أن تقوم مصانعنا الآن بهذه المهمة.. لتتحول البيوت الى وحدات انتاجية ويتولى المصنع الأم عملية التجميع.. فيستفيد الكل: الأسر.. والمصانع لأن المصنع هنا يوفر أعباء بناء المصانع كبيرة المساحة ـ لأنه حول البيوت الى مصانع منتجة.. وتلك هى البداية، على الأقل فيما ندعو إليه اليوم من الاهتمام بالمشروعات الصغيرة.. ومتناهية الصغر؟ هل نبدأ!!