بقلم – محمد عبداللطيف:
من حق أى مواطن أن يجاهر بمعارضته لنظام الحاكم وانتقاد سياساته، أيضًا، من حق أى إنسان أن ينحاز للنظام ويؤيده، كل حسب رؤيته وقناعاته فى قضايا الشأن العام، فكلا الأمرين «المعارضة والانحياز»، متاح ومباح لكل المصريين، المعارضة طرف فاعل ومهم فى معادلة التطور الديمقراطى للمجتمعات، للحد من جنوح السلطة، أو انحرافها عن مسار المصلحة العامة، كما أن الانحياز مكون رئيسي لشعبية النظام، ومؤشر لقياس درجات الرضا والقبول فى أوساط الرأى العام، فلا المعارضة خطيئة أو رجس من عمل الشيطان علينا اجتنابها، ولا الانحياز طقوس روحانية علينا اتباعها.
ما نراه حولنا ليس له سقف، ولا يخضع لأى معايير موضوعية، يمكن من خلالها الحكم على المواقف، أو تحديد هدف يجعل المرء، يقر بأن هذه الفئة تندرج تحت لافتة المعارضة، والأخرى مؤيدة أو منحازة لنظام الحكم، فالمعارضون احتكروا لأنفسهم حق المعرفة فى كل شىء وفعل أى شىء، دون الالتزام بالحدود الفاصلة بين المعارضة للصالح العام، وتوريط الدولة بإدخالها فى مرمى سهام المتربصين وتشويه صورة البلد فى المحافل الدولية، بهدف محاصرة النظام، فضلا عن الدعم الضمنى للعناصر الإرهابية والدفاع عن الساعين لإغراق البلاد فى دوامات الفوضى، وهذا نراه جليا فى دعوات المؤيدين للإرهاب مثل أيمن نور والبرادعى وغيرهم فى الداخل من المتعاونين مع الغرب للحصول على الملايين تحت دعاوى مختلفة، هؤلاء يطالبون بتطبيق دولة القانون، لكنهم يتجاهلونه ويصبون عليه اللعنات، إذا طالهم أو نال من أنصارهم الفوضويين، أما المنحازون فحدث ولا حرج، دخلوا بحماقة فى ذات الدائرة البغيضة، دائرة احتكار الدفاع عن الدولة، شتان بين معارضة وطنية تقف فى خندق الدفاع عن المصلحة العامة، ومعارضة لا تتورع عن ارتكاب ممارسات ليس لها وصف سوى العمالة، وشتان بين تأييد مطلق للنظام بلا روية عبر الدفاع على طول الخط عن السياسات الحكومية وآخرون منحازون بهدف تحقيق الاستقرار للدولة.
لو يعلم المعارضون والمنحازون، أن غالبية المصريين لا علاقة لهم من بعيد أو قريب بما يدور من هراء عقيم، لكفوا عن التحدث باسم هذا الشعب المطحون حتى النخاع، فالبسطاء وما أكثرهم، مهمومون بأوجاعهم، غارقون فى تجرع مرارات القرارات الحكومية التى لم تضعهم يوما فى حساباتها، كما أن هؤلاء لا يميلون نحو أى من الفريقين إذا ما اتفقت رؤانا على أنهم بالفعل فريقان، خاصة أن كلا منهما يحلق فى فضاءاته بعيدا عن الواقع، قطعا، يعرف البسطاء فى غمرة غضبهم من قسوة ضغوط الحياة أبعاد ودوافع وأغراض ما تروج له الفئة التى تندرج تحت لافتة المعارضة من أكاذيب، هدفها استغلال معاناة الشريحة الكبرى التى تئن من الأوضاع الاقتصادية المتردية، وتدنى الأحوال الاجتماعية والمعيشية البائسة للتحريض على الفوضى، وأن هذه الفوضى ستقضى على ما تبقى لهم من أمل.
المعارضة إذا سلمنا أنها معارضة، لا تكف عن الطعن فى كل شىء، بداية من كيل الاتهامات للسياسات، ولو كانت هادفة وصادقة، وليس انتهاءً بالقفز على الحقائق المعلومة للكافة وإلباسها ثيابا غير ثيابها، فمثل هذه النوعية تعلم يقينا، لن يكون لها وجود فى المشهد السياسي، بدون ضجيج، كما أن مردود التأييد بلا حدود، يسىء لنظام الحكم ولا يصب فى صالحه، خاصة أن هناك فئة لا تجيد سوى التطبيل بلا وعى لتزيين الباطل، بين هذا وذاك، لا أحد من الفئتين دعاة الحقيقة المطلقة والوطنية المطلقة، لديه جرأة الاغتسال من اللهو، كل يرى أن وجهة نظره فى قضايا الشأن العام تمثل رؤية وطنية لا يقترب منها الشك وما عداها يتسم بالخيانة، أما الأكثر فجاجة، تلك التصورات التى ترسخت فى الأذهان عن مفهوم الوطنية، فهى تعنى بالنسبة لهم، المعارضة على طول الخط، أو التأييد على طول الخط، مهما تغيرت الأنظمة، ومهما تعاقبت الحكومات، والغريب فى الأمر أن المعارضين لا يدخرون جهدا فى تشويه النظام والآخرين يسارعون فى الدفاع المستميت، رغم علم الجميع بأن رأس الدولة شىء والحكومة شىء آخر، وأن الغالبية الساحقة فى المجتمع هى التى تمثل الظهير الشعبى لرئيس الدولة، وهؤلاء يمثلون الأغلبية الفعلية التى أفرزت الواقع على الأرض بدون ضجيج، الا أن المعارضين والمؤيدين، تجاهلوا وجودهم وفاعليتهم فى الالتفاف حول النظام، رغم كراهيتهم للحكومة.
المثير فى الهوس الدائر، هم المؤيدون لنظام الحكم على طول الخط، هؤلاء يمارسون نفس القبح الذى يمارسه المعارضون، يرقصون طربا لكل قرارات الحكومة رغم قناعاتهم الذاتية بأنها جائرة، يفعلون هذا ظنا منهم أن صنيعهم البغيض يدعم النظام، رغم أنهم يسيئون له أكثر من غيرهم، هؤلاء يمارسون دفاعهم بجهل على طريقة «الدبة اللى قتلت صاحبها».
بين تدابير المعارضين للتحريض على النظام، وحماقة المؤيدين فى التطبيل بلا وعى، يمكن التأكيد على أن المعارضة ليس لديها قدرة على التمدد فى أوساط المجتمع لأنها تعيش فى الأوهام، أما المنحازون، فهؤلاء يحاولون الاقتراب من السلطة لنيل جزء ولو ضئيل من بريقها، لكنهم يمارسون انحيازهم بطريقة فجة لا تتسق مع معطيات الواقع، يطبلون ويرقصون ويبالغون فى التغنى دون النظر للواقع.
هل يستطيع أى منا إنكار معاناة غالبية المصريين؟ وهل يستطيع أى منا القفز على الحقيقة بأننا أمام حكومة أدمنت الفشل، وليس لديها أدنى إحساس بالمسئولية السياسية تجاه مواطنيها؟