كيف سيتعامل العالم العربى مع إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؟ إن نظرة تحليلية لتوجهات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سواء فى الشرق الأوسط بشكل خاص أو فى العالم بشكل عام تؤكد أن على العالم العربى- إذا أراد الانتقال إلى مرحلة أكثر إيجابية فى علاقاته الدولية- عليه أن يعيد حساباته من جديد بشأن ما يمكن تسميته بعث الفاعلية فى السياسة العربية تجاه الآخر، وإذا كان هذا الآخر المقصود به أى آخر فى عالم اليوم فإن الولايات المتحدة عندما تصبح هذا الآخر الأمر يتطلب منا وقفة مختلفة!
وقد أثبتت مواقف سابقة فى عهد الإدارة الديمقراطية لإدارة أوباما أن العلاقات الأمريكية العربية قد دخلت فى منعطفات كثيرة وخطيرة، وكانت فى السنوات الأخيرة فى أسوأ أحوالها، رغم أن باراك أوباما بدأ عهده وولايته الأولى بمحاولة التقرب إلى العرب، ثم سرعان ما ظهرت نظرته الاستعلائية ووضحت مواقفه العدائية لدول عربية ليست قليلة العدد أو الشأن، الأمر الذى انعكس بالسلب على المصالح العربية، وهو ما يعنينا فى هذا المجال.
وما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية استغلال الحالة (الترامبية)- إذا جاز التعبير- تطوير مفهوم المصلحة العربية ووضعه فى الاتجاه الصحيح لتحسين العلاقات بين العالم العربى والولايات المتحدة، مع الأخذ فى الاعتبار ثوابت السياسة الأمريكية مهما كانت توجهات من يسكن البيت الأبيض، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا وأهم هذه الثوابت:
– العلاقة الراسخة بين أمريكا وإسرائيل القائمة على ضمان أمن وحماية الدولة العبرية كعنصر متقدم مزروع بالمنطقة العربية، ومهما اختلفت وجهات النظر بين الجانبين بشأن قضايا فرعية تظل المصلحة المشتركة بينهما قائمة فى القضايا الأساسية.
– ومن ثوابت السياسة الأمريكية أيضا أن الولايات المتحدة لم تعد تتورط بشكل مباشر فى المنازعات والصراعات الإقليمية بعد فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى الصومال وأفغانستان والعراق، حيث أصبح العمل على توطين هذه الصراعات بين أطرافها هو الشغل الشاغل للدبلوماسية الأمريكية.
– وثالث هذه الثوابت إعلاء الشأن الأمريكى الداخلى، ليحتل قائمة الأولويات لدى أى رئيس أمريكى وتكريس السياسة الخارجية لتحقيق الاستقرار الداخلى، وليس متوقعا من الرئيس ترامب أن يخرج عن هذه الثوابت.
لكن الجديد أن دونالد ترامب يتميز بقدرة فائقة على ترك الأبواب المواربة مع الآخرين، رغم ما يبدو عليه من تمسك بآرائه وتشدده فى الأمور المتعلقة بالسياسة الداخلية، غير أنه أكثر مرونة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وعلى مستوى العلاقات العربية الأمريكية نلاحظ أنه يقوم بإصلاح ما أفسدته إدارة أوباما بفتح مجال الحوار مع دول عربية، من بينها مصر والمملكة العربية السعودية، ومن ثم نصل إلى بيت القصيد، وهو كيفية تفعيل (المصالح العربية المشتركة) فى مواجهة المصالح الأمريكية فى عهد الرئيس ترامب. نقول مصالح لا تتناقض، ولكن تتكامل بشكل يحافظ على العلاقات بين الطرفين العربى والأمريكى من الدخول فى أى منعطفات خطيرة محتملة فى المستقبل. وحتى يجرى الأمر على النحو المرجو عربيا لا بد أن نتفق على ضرورة توحيد المصالح العربية، خاصة أن هناك مستويين من التعامل الأمريكى مع العرب:
- تعامل قطرى – بضم القاف – أى تعامل الولايات المتحدة مع كل دولة عربية على حدة.
- تعامل جماعى أى تعامل الولايات المتحدة مع الدول العربية ككل وهو مستوى من التعامل له علاقة بصورة العرب فى الذهنية الأمريكية!
وكلما كانت هناك سياسة عربية موحدة ومتوحدة كان مستوى التعامل متقاربا، وأرى أن جامعة الدول العربية لها دور مهم فى تفعيل المصالح العربية المشتركة من حيث وضع استراتيجية ذات طابع عام- جماعى- فى معالجة المواقف الأمريكية المتوقعة تجاه العالم العربى، وهذا ينقلنا للإشارة إلى دور اللوبى العربى وجماعات الضغط العربية فى الولايات المتحدة، خاصة بالنسبة لتصحيح الصورة التى حاولت رسمها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما للعرب والمسلمين.
وكانت صورة مشوهه تأثر بها إلى حد كبير وواضح الرئيس ترامب، فكان أول قراراته منع دخول رعايا عرب ومسلمين من سبع دول من بينها ست دول عربية إلى الأراضى الأمريكية، وإن كنت أعتقد أن هذا القرار يمكن تجاوزه لدرجة الرجوع عنه مع الوقت، ليس لأن هناك معارضة أمريكية داخلية بما يهدد بنشوب أزمة دستورية، ولكن أيضا إذا تعاون العرب فى عملية الترويج الدعائى المنظمة للصورة العربية السليمة للمواطن العربى المسلم، وأتصور أن هذا يحتاج جهدا عربيا مشتركا حكوميا على المستويات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية!.