مازال الحديث مستمرًا عن مستقبل ماسبيرو، وهناك أطراف تتهم أطرافًا أخرى بأنها وراء الحال الذى وصل إليه هذا الصرح، الأمر الذى شجع البعض على الإعلان بضرورة التخلص منه، بعد أن أصبح عبئًا على الدولة، والبحث عن بديل له، وتناسى الجميع، بلا استثناء، أنهم مدانون، الحكومة وأبناؤه والذين يهاجمون ويخططون للإجهاز عليه وكانوا السبب فى وصوله إلى حال جعل المتربصين بإعلام الدولة العمومى، يسنون رماحهم، وهو ما يجعل الجميع يتحمل المسئولية.
وخلال الأيام الأخيرة تناولت فى حوارات إذاعية وتليفزيونية هذا الموضوع، كان من بينها حوار مطول بإذاعة صوت العرب، حيث أكدت أهمية أن تدرك الحكومة دور إعلام الدولة، لأنه الذى يحافظ على الثوابت الوطنية، ويقدم خدمة مدققة للمتلقى، سواء كانت إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية بغرض الارتقاء بالذوق العام وحماية قيم المجتمع موروثاته الصحيحة.
إن مبنى ماسبيرو يعانى من مشكلات متراكمة، إدارية وفنية ولائحية، ومعظمها الدولة هى المعنية بحلها، لكن فى الوقت نفسه لا بد أن يدافع أبناء ماسبيرو عن كيانهم التاريخى الذى أصبح جزءًا من وجدان الأمة، فقد استيقظ العالم العربى من سباته فى الخمسينيات، عندما استمع إلى «صوت العرب من القاهرة»، فكان التغيير والتنوير بخطى ثابتة.
وساهمت هذه الخطوة فى تكريس فكر التحرر الوطنى آنذاك، وأتصور أن هذا الفكر يجب أن يستمر، ويتم دعمه فى مواجهة الفكر الآحادى النظرة، الذى يظل قاصرا عن إدراك أهمية بناء الإنسان العربى، ويعود هذا الفكر من جديد لكى يهاجم ماسبيرو بسبب تحكم رجال المال والسماسرة – وليس رجال الأعمال، ومنهم رجال وطنيون شرفاء – فى الإعلام، لأنه سمح بتنامى بعض الاتجاهات المناهضة لماسبيرو بهدف إقصائه عن المشهد الإعلامى كى يخلو لهم.
إن وجود إعلام له قيم وتقاليد يكشف المستوى المتدنى لكثير مما يقدم فى بعض قنوات الإعلام الخاص، ويتناسون أن أبناء ماسبيرو هم الذين يعملون بقنواتهم، ولهذا أصبح علينا النظر إلى مستقبل ماسبيرو بموضوعية لحل مشكلاته، ومن بينها حل مشكلة ديونه لبنك الاستثمار القومى من خلال تبنى الإعلاميين بالبرلمان لفكرة إسقاط هذه الديون، وبعث الروح من جديد فى قطاع الإنتاج وإعادة النظر فى لائحة الإعلانات التى هربت المعلنين، وتوحيد جهة التعامل، إما القطاع الاقتصادى وإما صوت القاهرة.
ويجب وضع ضوابط جديدة لتدريب الإعلاميين باعتماد المعايير الكيفية، وليست الكمية بتحويل معهد الإذاعة والتليفزيون لمركز للتدريب والتطوير الإبداعى ولا بد من فلترة ماسبيرو بحسم من عناصر الفساد والإرهاب الفكرى، وهنا أدعو جهاز الرقابة الإدارية العظيم إلى التدخل، وأنا أعلم أن رجاله فى ماسبيرو قادرون على إنجاز هذه الخطوة.
بعد ذلك ننتقل إلى مرحلة الهيئة الوطنية للإعلام، وهنا يجب أن تحسن الدولة اختيار أعضائها حتى نتوقع تغييرًا حقيقيًا من أجل فرملة حالة الانفلات وإعادة الإعلام لوظيفته فى بناء وعى المتلقى، ما يتطلب التصدى لمحاولات الإسفاف والخروج عن أخلاق وقيم المجتمع.
إن ما يميز ماسبيرو أنه كان يعمل وفق تقاليد لا تجدها فى الإعلام الخاص، وأتمنى من أبناء ماسبيرو أن يحافظوا عليها، مع إفراز صف ثانٍ وثالث من القيادات. خلاصة القول إن ماسبيرو ليس مبنى فقط، إنه رمز لإرادة أمة ظهرت للعيان فى الشدائد، وكان ظهيرًا يحمى الأمن القومى المصرى، ولم تكن وقفته فى ٣٠ يونيو و٣ يوليو ٢٠١٣ سوى ترجمة لهذا المعنى الذى يتجاهله البعض!