من يقرأ تاريخ مصر منذ العصر الفرعونى يجد أن المشكلات التى يعانيها المصريون الآن، هى نفسها ما كان يعانيه أجدادنا، فكم كثرت فترات المرض التى عاشتها مصر، ولكنها كما يقال تمرض ولا تموت، ولو قرأنا ما كتبه الفراعنة فى فترات الانحدار لظننا أنه كتب فى العصر الحديث، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فحتى الفراعنة كانوا يعانون من البطالة والفقر والفساد ويتحدثون بحسرة عن الزمن الجميل، لنجد ما كتب فى الماضى البعيد والقريب يلائم ما نعيشه الآن، وكأننا ورثنا نفس المشكلات التى تمتد جذورها للحضارة الفرعونية، وورثنا الشكوى والبكاء على الأطلال، دون أن نتعلم من الماضى، أو نحاول البحث عن حلول مبتكرة تناسب مشكلاتنا العميقة والمعقدة، فأعداؤنا يتعلمون من أخطائهم، وقرروا أن يصلوا لأهدافهم دون أن يخسروا جنديًا واحدًا، فاكتفوا بنشر الإشاعات وزرع الفتن وبث اليأس والإحباط، وحاربونا بأيدينا لنقتل بعضنا بعضًا، مستغلين ضعاف النفوس أو الجهلاء الذين قادونا لمستنقع لا نعلم كيف نخرج منه حتى الآن.. وبعد أن كنا متوحدين فى الخوف على مصر، التى كادت أن تضيع، وكانت معرّضة لمصير بعض الدول عربية التى رأيناها بأنفسنا وهى تنهار وتتفكك، نسى البعض ما عانيناه والثمن الذى دفعناه وما زال يدفعه الجنود والضباط من دمائهم لكى يعود إلينا الأمان، واعتقدوا أن مصر قامت من كبوتها، وما إن بدأنا مرحلة الاستقرار النسبى، وبدأت الدولة تتعافى، حتى وجدنا الغربان المختبئة تتسلل من جديد ليزداد نعيقها دون خوف أو خجل، وبدأت من جديد الحملات التحريضية ضد الدولة، والتشويه الممنهج ضد مؤسساتها فى الصحف الخاصة والحكومية والبرامج التليفزيونية والإذاعية والأفلام والمسلسلات، واشتدت الحرب النفسية لتشعل الغضب وتبث مزيدًا من الإحباط، وتشعرنا بأنه لا أمل، مستغلة حالة التخبط الإدارى والفوضى فى مؤسسات الدولة، وحالة التوحش التى أصابت الكثير من المسئولين الذين ينطبق عليهم قول: «من أمن العقوبة أساء الأدب»، فظنوا أنهم سيفلتون من العقاب إلى الأبد.. لنجد أنفسنا بين واقع مرير صعب احتماله، وظروف وطن عصيبة تجعل التذمر رفاهية لا نملكها، ورئيس يعمل بكل طاقته مع تخاذل واضح من معاونيه، وفى نفس الوقت يعامله البعض وكأنه يملك العصاة السحرية التى تجعله قادرًا على حل كل مشكلاتنا وما نعانيه، ونسأل أنفسنا: كيف يمكن أن تحل تلك المشكلات ونحن لا نرى حلولًا جديدة؟ فإذا كانت المقدمات هى نفسها، فكيف ننتظر نتائج مختلفة؟ ونتساءل أين الحلول التى سمعناها من قبل، والتى يمكن أن تساهم فى فك تلك التعقيدات؟ ألم نسمع عن ملاحقة الفساد أيًا كان حجمه؟ فكيف استفحل إلى هذا الحد؟ وما آليات مواجهته؟.. كذلك سمعنا عن إلغاء انتداب أعضاء الهيئات القضائية فى المؤسسات الحكومية، والذى يمكن أن يغلق بابًا للفساد، أو على الأقل لضمان الحيادية بحيث يكون القاضى لا يتقاضى أجرًا سوى من هيئته القضائية، فيكون ولاؤه للحق فقط دون شبهة مجاملة لأحد.. فلماذا لم يتم ذلك حتى الآن؟.. كما سمعنا عن حل لمشكلة أطفال الشوارع من خلال إنشاء مدارس عسكرية تربيهم على الانضباط وتعلمهم حرفا يتكسبون منها حتى يصبحوا مواطنين صالحين، ولكن لا نعلم لماذا لم يتم تنفيذ هذا المشروع؟!.. أما الحد الأقصى للأجور، الذى طبّقه الرئيس أول ما طبقه على نفسه، فلماذا لم تفرضه الدولة على الجميع دون مواربة؟! ولماذا نشعر أحيانًا وكأن الدولة قليلة الحيلة أمام ما تواجهه من مؤامرات وتحديات؟ ولماذا يتركون الكل يتحدث كما يحلو له دون أن تدافع الدولة عن نفسها؟! فنرى خبراء يتحدثون عن حلول تقنعنا من الناحية النظرية ولا نعلم إن كانت قابلة للتحقيق أم لا؟ فإذا كانت صحيحة، فلماذا لا تطبق؟ وإذا كانت خاطئة فلماذا لا يقوم أى مسئول بتوضيح ذلك بدلًا من أن تظهر الدولة بمظهر العاجز؟!.. لذا نرجو من الحكومة، بتشكيلها الجديد، عدم اتباع سياسة الصمت والتجاهل الذى يورث الشعب الصابر الغضب.