كان سعدزغلول هو صاحب المقولة الشهيرة عندما أصبح حاكماً منتخباً: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة»، فكانت العبارة أسلوب عمل التزمت به حكومات الوفد المختلفة التى لم تعش لها وزارة.. فكان عمر كل حكومات هذا الحزب الكبير خلال الفترة من 1923 حتى 1951 ست سنوات ونصف تقريباً.. فكان الوفد هو حزب الأغلبية.. وكان الملك يطيح بحكوماته إما بالتزوير أو بالانقلابات الدستورية.
ولكن هل كان سعد الذى بدأ العمل السياسى شاباً مهتماً بالقضية الوطنية.. هل كان مجرد زعيم صدفة كما أظهرته كتابات صحف الأنظمة المتعاقبة ووسائل إعلامها.. قطعاً «لا».. فلم يكن سعد إلا كما وصفه سعد فخرى عبدالنور فى كتابه «الوفد يقود الحركة الوطنية» فسعد كما قال عنه عبدالنور لم يكن قبل سنة 1919 من المغمورين بل كان رجلاً مرموقاً يشار إليه بالبنان فقد ولد فى بيت كريم حسباً ونسباً من بيوتات الغربية حتى ما غدا شاباً جاور فى الأزهر الشريف سنة 1871 وهى السنة التى شرع فيها الشيخ محمد العباسى المهدى فى تجديده وتنظيمه وتتلمذ على أيدى نخبة رائدة من الأئمة الأجلاء مثل الشيخ جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده من أصحاب الدعوة الوطنية. وكان زملاؤه ممن برزوا فيما بعد عبدالكريم سلمان ومحمد اللقانى والشيخ أبوخطوة. وبعد أن أنهى تعليمه الدينى استعان به أستاذه الشيخ محمد عبده سنة 1880 فى تحرير الوقائع المصرية وهى الصحيفة الرسمية التى تعبر عن الحكومة ولكن سعد أظهر من الصفات فى الكتابة والتحرير ما جعلها خلال أشهر معدودة من صحف الرأى التى تنطق بلسان الشعب. وبعد أن هاجت البلاد وماجت فيما صاحب «الثورة العرابية» من أحداث عام 1882 تم إلقاء سعد فى السجن وهو لا يزال شاباً صغيراً بتهمة التآمر على الاحتلال البريطانى ثم أفرج عنه بعدها بعام ليقبل على مهنة المحاماة وهو لا يحمل فى ذلك الوقت مؤهلاً فى القانون إلا أن فصاحته ساعدته على النجاح والتقدم ليحتل مكانة مرموقة وسط المحامين المشهورين.. أو كما قال عنه الأديب الكبير عباس محمود العقاد «إن توكيل سعد زغلول فى قضية هو ضمان لكسبها وخذلانه لخصومه فيها. وقد اشتهر سعد بين الناس بالصدق والأمانة والاستقامة.. وأنه لا يسعى بين المتقاضين بالخصومة والاقتتال على نيل الحقوق بل سعيه بينهم للصلح وكان شعاره «نريد أن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون».. لاحظ أوجه الشبه بينه وبين الزعيم غاندى.. فقد كان كلاهما يعمل بالمحاماة.. ويدعو للتسامح.. وتحولا إلى الدفاع عن القضية الوطنية.. بل إن سعد زغلول جنى من مهنته مالاً وفيراً اقتنى به اطياناً زراعية إلا أنه باعها جميعها فيما بعد للإنفاق على الحركة الوطنية فمات وهو لا يملك شيئاً.. مثله مثل كل الزعماء المخلصين الذين خاضوا غمار العمل الوطنى أغنياء وتركوها فقراء بدءاً من سعد وغاندى ومروراً بمصطفى النحاس.
وللحديث بقية