يبدو أن صعيد مصر سيظل يعانى من الظلم والتجاهل فى أى عهد أو أى حكومة.. لأن هذه المنطقة الممتدة من محافظة بنى سويف وحتى أسوان جنوباً بعيدة عن أعين المسئولين فى الدولة وبعيدة عن الإعلام وكل ما يقال عن خطط تنمية الصعيد مجرد عبارات للاستهلاك الإعلامى وفض مجالس.
كما لا يوجد علاج جذرى للمشاكل المتفاقمة فى صعيد مصر منذ سنوات طويلة ففى كل زيارة إلى الصعيد أتأكد أن ما نسمعه ونقرأه يوميا عن اهتمام بالصعيد ليس إلا مسكنات فقط لتهدئة الخواطر وأن الأمور تزداد انهياراً وعدنا نكرر أخطاء نظام مبارك الذى صرف مليارات الجنيهات على القاهرة الكبرى وترك الصعيد يعانى فانهار كل ما قام به فى القاهرة وترك الصعيد فريسة للجهل والمرض والفقر وبالتالى أصبح أبناؤه هدفاً سهلاً لعصابات الإرهاب وعصابات تهريب الآثار والاتجار فى المخدرات بمختلف أنواعها.
وسوف أضرب مجموعة أمثلة لما شهدته خلال الزيارة الأخيرة للصعيد ففى مدينة قوص بمحافظة قنا الوضع يزداد سوءاً وكان لا يوجد بها إدارة محلية كوبرى يتم إنشاؤه فوق السكك الحديد من 3 سنوات ولم ينته.
كما يوجد مصنع للورق الذى عند إنشائه لم يراع أى معيار صحى أو بيئى والروائح الكريهة التى تصدر عنه أصابت المواطنين بالعديد من الأمراض وانتشار أمراض التنفس فى المدينة والقرى المجاورة وتم إثارة هذه القضية عشرات المرات وتعهدت الحكومة تلو الأخرى بمعالجة هذه القضية إلا أنه لم يتحرك أحد ولم يتم علاج هذه الروائح حتى الآن رغم كل ما يحتاجه هو وضع فلاتر لتنقية الهواء الصادر منه.
وهذا المصنع يصرف مخلفاته فى النيل بالقرب من منفذ لمياه الشرب وتم إثارة هذه القضية وتم عمل خط صرف صحى له ليلقى مخلفاته فى الصحراء ورغم تعديل مسار هذا الخط أكثر من مرة إلا أنه تم تنفيذه منذ عام إلا أنه لم يدخل الخدمة بعد بسبب أخطاء فنية فى تصميمه أدت إلى عدم اكتماله.
وتجاهلت الإدارة المحلية لمدينة قوص مراجعة ما تم تنفيذه وإعادة رصف الطرق التى مر بها خط مياه الصرف وهى تعلم أن هذه الطرق تمر عليها الجرارات الخاصة بنقل قصب السكر إلى المصنع بقوص وهذه الجرارات تجر مقطورات خلفها وكلها مصنعة يدوياً أى لا يوجد بها أى معدل للأمان وتنقلب بسهولة بسبب زيادة الحمولة مما يعطل الطرق ويعرض حياة المواطنين للخطر.
أما المثال الثانى فهو فى مدينة الأقصر التى كانت قبلة السياحة الدولية تحولت إلى مدينة عشوائية، طريق الكباش لم يكتمل وتحول إلى مقلب للقمامة أما الفنادق التاريخية التى كانت بالمدينة تحولت إما إلى أرض فضاء لا تجد من يستثمرها مثل أرض فندق سافوى أو إلى بيت للأشباح مثل فندق الأقصر وكانا من أهم الفنادق ليس فى مصر ولكن فى العالم كله، وهذه الفنادق مملوكة للدولة ويمكن استغلال مساحات الأراضى المقامة عليها لإقامة فنادق فاخرة عليها.
وأصبح اهتمام محافظ الأقصر بشارع واحد فقط وهو شارع الكورنيش ومدخل المدينة الشمالى القادم من المطار، أما باقى المدينة ومدخلها الجنوبى لا طرق ولا رصف وزحام ويبدو أن المحافظ ومسئولى الحكم المحلى لا يعرفون أن للمدينة مدخلاً آخر غير مدخلها الشمالى كما لا يعرفون أن للمدينة امتدادات جديدة يجب الاهتمام بها بدلاً من العشوائية التى بدأت تظهر فيها.
فالصعيد يحتاج إلى مسئولين جادين فى عملهم وليس مسئولين جاءوا إلى محافظات الصعيد فى نزهة وأيام يقضونها ثم ينقلون إلى محافظات فى الوجه البحرى، فالصعيد يحتاج إلى محافظين ومسئولين من أبنائه كما يحتاج إلى استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشئون تنمية الصعيد يكون لديه الاختصاصات الكاملة فى متابعة خطط تنمية الصعيد إن كان هناك بالفعل خطط.