وصلنا فى سلسلة المقالات السابقة إلى فبراير ٢٠١٣، حيث كانت تعيش مصر حالة من الانقسام والاستقطاب والدمار الاقتصادى، وأصبحنا على شفا حرب أهلية حقيقية، وقد حذرت القوات المسلحة أكثر من مرة من حدوث ذلك، وذكرت فى بيان رسمى أنها لن تقف مكتوفة الأيدى، إذا حدث ذلك، وفى الاجتماع الذى عقد بالاتحادية لبحث ترتيب القمة الإسلامية التى ستعقد فى القاهرة، تحدث الفريق أول عبدالفتاح السيسى بمنتهى الصراحة والحسم مع الرئيس الذى كان عائدا من زيارته الفاشلة إلى أديس أبابا، وأبلغ الرئيس بأن الوضع الداخلى يثير القلق، وأن مصر تعانى حالة شلل كامل على مختلف الأصعدة، وعليه أن يتدخل بإلغاء الإعلان الدستورى الذى كان سببًا رئيسيًا فى كل هذا، وعليه أيضا أن يلتقى قادة جبهة الإنقاذ، وأن ينصت لهم ولطلباتهم التى تعبر عن طلبات أغلبية الناس، وكعادته جادل مرسى فى كون هذه الطلبات معبرة عن أغلبية الناس أم عن قلة، ولكنه وعد فى النهاية بدراسة ما طلبه القائد العام عقب الانتهاء من أعمال القمة الإسلامية التى سيحضرها الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، وهى الزيارة الأولى التى يقوم بها رئيس إيرانى لمصر منذ نحو ٣٤ سنة، ولا شك أن هذه الزيارة قد ساعدت على اتساع الفجوة بين الإخوان وبين السلفيين الذين اعتبروها مدًا شيعيًا فى مصر، وقد بالغ مرسى فى مظاهر الحفاوة التى استقبل بها نجاد، حيث كان على رأس مستقبليه بالمطار وأجريت له المراسم الرسمية، ووافق على زيارته للأزهر والحسين، فالإخوان يراهنون على المساندة الإيرانية لهم بدلًا من دول الخليج التى نزعت يدها عن مصر، نتيجة سياسات مرسى عدا قطر، وبالفعل التقى الرئيس الإيرانى شيخ الأزهر، والذى أصدر بيانا عقب اللقاء طالبه فيه باستصدار فتاوى من المراجع الدينية الشيعية تجرم وتحرم سب السيدة عائشة رضى الله عنها وصحابة النبى صلى الله عليه وسلم، كما طالبه بإعطاء أهل السنة فى إقليم الأهواز الإيرانى حقوقهم كاملة كمواطنين، وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيس الإيرانى مع وكيل مشيخة الأزهر حسن الشافعى، والذى ذكر فيه أن علماء الشيعة يتعرضون بشكل غير لائق لزوجات الرسول، فقام المترجم بمقاطعته وقال «الرئيس يقول لك إن هذا الحديث مكانه الجلسة المغلقة»، ولم تلق زيارة أحمدى نجاد ترحيبًا شعبيًا فى مصر. فقد تعرض للاعتداء من أحد الموجودين بمسجد الحسين أثناء خروجه، حيث قام بإلقاء الحذاء نحوه وأعلنت أجهزة الأمن القبض على أربعة أشخاص ضالعين فى محاولة الاعتداء بالحذاء على الرئيس الإيرانى وجميعهم ينتمون إلى التيارات السلفية، وفى هذه الزيارة صرح أحمدى نجاد قائلا: «إن إيران قادرة على حماية مصر وإنها ستحميها من أى مخاطر تتعرض لها»، وبمجرد صدور هذه التصريحات قام وزير الدفاع وقتها بإبلاغ الرئيس مرسى رفض الجيش هذا الكلام شكلًا ومضمونًا، فالجيش المصرى يثق فى إمكانياته جيدا وهو يستطيع حماية أمن مصر بل والمنطقة كلها، وهو لا يحتاج لإيران أو لغيرها لحماية مصر، وهذه التصريحات هى بمثابة إهانة للدولة المصرية ولا بد أن يلام الرئيس الإيرانى عليها، وحاول مرسى أن يطفئ نار الغضب التى تحدث بها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وبرر تصريحات نجاد أنها من باب المجاملة وأنها فهمت خطأ، لكن استمرار السيسى فى غضبه، جعله يتراجع عن دفاعه ويخبره بأنه سيقوم بالاتصال بنجاد وإبلاغه اعتراض الجيش المصرى على هذه التصريحات، فى هذه الأثناء تقدم عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة لوزير الداخلية أحمد جمال الدين، بطلب يضم أكثر من ألفى شخص لاستخراج تراخيص حمل سلاح، وذلك بحجة الدفاع عن مقار الحزب، وبالطبع تم رفض الطلب، رغم محاولة تمريره من خلال توصية للوزير من مكتب الرئيس، وهنا اقتنع مرسى بضرورة تغيير وزير الداخلية فى أول تشكيل وزارى لا سيما أنه لم يدافع عن مبنى مكتب الإرشاد فى المقطم، ولم يقف ضد المتظاهرين أثناء أحداث الاتحادية، وفى هذا الوقت أيضا نجحت أجهزة سيادية برصد لقاء بين خيرت الشاطر وأحد قادة الحرس الثورى الإيرانى، أعقبه الشاطر بمكالمة هاتفية يخبر فيها المرشد بما دار فى الاجتماع الثنائى، واتضح من خلال المكالمة وجود نية عند الشاطر لاستنساخ فكرة الحرس الثورى فى مصر ككيان بديل للجيش، وذلك لحماية مرسى ونظام الإخوان، وهنا فى رأيى كانت بداية النهاية، فلقد سطر الإخوان بأيديهم شهادة وفاتهم حين قرروا الزج بمصر إلى هذا النفق المظلم، وكأن هذا هو مشروع النهضة الذى روجوا له وخدعوا به البسطاء، وفى مطلع شهر مارس ٢٠١٣ نشر الصحفى الأمريكى إيريك تريجر حوارًا بينه وبين القيادى الإخوانى محمد البلتاجى والذى صرح فيه قائلًا «مهمتى هى إصلاح جهاز الشرطة وإعادة هيكلته»، ومن ضمن ما قاله أيضًا «أسعى إلى السماح لخريجى الجامعات المختلفة بالتدريب على أعمال الشرطة، إذ لا يجب أن يقتصر العمل فيها على خريجى كلية الشرطة فقط». وعندما قامت وسائل الإعلام المصرية بنقل هذه التصريحات نفى البلتاجى صحة هذا الكلام، وقال إنه لم يتحدث مع الصحفى الأمريكى فى هذه الأمور، وإن هذا الحوار مفبرك، لكن إيريك تريجر فاجأ الجميع فى اليوم التالى بنشر التسجيل الصوتى للبلتاجى.. وللحديث بقية.