أزمتنا الكبرى، ليست اقتصادية فحسب، بل هى أزمة ثقافة، وتعليم، ومعرفة، فهى تجعلنا ندور فى فلك ما يقال لنا، فنصدقه، دون تفكير يحمى المجتمع من الأفكار الغريبة التى يتم زرعها فى عقله الجمعى عبر سنوات طويلة، وهذه الأفكار تنمو وتكبر تحت رعاية الجهل الذى يُمسك بنا بقوة ويجذبنا بعنف لنغرق فى مشكلات التطرف، والإيمان بمفاهيم الرضاء بأوضاعنا السيئة، باعتبارها أفضل الظروف السيئة!!
فى فرنسا التى تقبلت ثقافة الرئيس المحتمل صغير السن، والذى تزوج مدرسته التى تكبره بأربعة وعشرين عامًا، للكتاب فيها أهمية تساوى الطعام والشراب.. والتعليم هناك هو رأس الحربة الذى يخترق معوقات الجهل، وهو دليل النجاح فى التنمية، وهناك، فى فرنسا والدول المتقدمة، الكتاب والمكتبة مقدسان، وثقافة القراءة هى الأكثر انتشارًا بين الجميع، سواء كانوا تلاميذ المدارس، أو طلاب الجامعات، أو الأجيال التى لم تشهد ابتكارات التكنولوجيا الحديثة فى صغرها، ولم تستخدم ثورة الاتصالات فى صباها، ولذلك تبقى فرنسا هى صاحبة أصدق نظرية حول التنمية المرتبطة بالحريات والديمقراطية وقوة الاقتصاد، وثورة الإبداع الفنى والرياضى والثقافى، وصاحبة النموذج الأكثر مثالية للدولة الحديثة.
أما فى مصر، فتعال اقرأ، أرقامًا هزيلة حول حجم القراءة ونسبتها بالمقارنة بحجم السكان!! أرقاما مُحزنة تستحق المراجعة!! فقد أصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بيانًا بمناسبة اليوم العالمى للكتاب والذى أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) فى الثالث والعشرين من شهر ابريل من كل عام وهو يوم رمزى تسعى منظمة اليونسكو، خلاله، لتوجيه انتباه العـالم نحو أهمية الكتاب ودوره فى حيـاة الأفراد وتطور المجتمع، وكان من أهم المؤشرات الإحصائية فى بيان جهاز الإحصاء أن عدد دور الكتب والمكتبــات العـامة والمتـخصصة ومكتبات الجامعات والمعـاهد فى مصر قد بلغ 1154 مكتبة عام 2015 (350 عامة, 285 متخصصة, 519 جـامعية ومعاهـد) مقابــل 1149 مكتبة عـام 2014 (328 عامة و335 متخصصة و486 جامعية ومعاهد) بـزيادة بلـغت نسبتها 0.4٪.. وبلـغ عــدد المترددين (مطالعين / مستعيرين) 5513 ألف متردد عــام 2015 مقابـل 5412 ألف متردد عام 2014 بـزيادة بلغـت نسبتها 1.9٪.. وبلغ عدد الكتب والكتيبات المؤلفة والمترجمة المودعة إيداعا قانونيا بدار الكتب والوثـائق القومية 12.8 ألـف كتاب وكتيب عام 2015 مقابل 12.7 ألف كتاب وكتيب عام 2014 بـزيادة بلغت نسبتها 1.4٪ بينما بلغ عــدد الـنسخ المطـبوعـــة 128.4 ألف نسخـة عام 2015 مقـابل 126.7 ألـف نسخـة عام 2014 وهى نفس نسبة الزيادة فى عدد الكتب.
هل هذه الأرقام تليق بمصر منارة الثقافة والعلوم والتنوير فى المنطقة؟ هل نستطيع تجاوز أزماتنا الاقتصادية والفكرية والسياسية بدون ثقافة وقراءة وعلم يقود المجتمع؟
الأزمة كبيرة، ونحن مازلنا ننفق أكثر من نصف وقت القوى المنتجة والعاملة فى البحث عن المواصلات ولقمة العيش!!