منذ قيام الرئيس باستقبال، الشابة المكافحة، منى السيد، المعروفة باسم «فتاة العربة» والتى احتفلت بها مواقع التواصل الاجتماعى، باعتبارها نموذجاً، للكفاح فى مواجهة الحياة، منذ ذلك الحين، أصبحت الدولة كلها، تسير فى نفس الاتجاه، وكأن التشجيع على العمل العشوائى، الاستهلاكى، غير المنتج، هو النموذج الأمثل، لعملية بناء الاقتصاد المصرى فى اتجاهه الصحيح! طبعاً قيمة العمل، غير مرتبطة بنوعيته، ولكن أهميته، عند الفرد تختلف، تماماً، عن رؤية الدولة لقيمة هذا العمل!
ما يحاول الإعلام، الراغب فى مجاملة الرئيس، تصويره، هو أن العمل، الذى تشجعه الدولة، هو بيع الشيبسى، والحلويات، والمياه الغازية، وهى كلها منتجات غير أساسية، ونقوم غالباً باستهلاكها، بمبالغ خيالية، دون أن يتطرق، المجاملون، أو المنافقون، قل ما شئت، إلى غياب الصناعات، التى كنا نصدرها للخارج، ودون حديث صريح، عن إغلاق آلاف المصانع، بلا قلق من مسئول يبحث، عن أسباب توقفها، فى محيط، إقليمه أو اختصاصه، حتى ان أحد المحافظين، منذ أيام، سار على درب الرئيس، عبر ضجة غير مسبوقة، وقام بتكريم رجل تسعينى يعمل فى بيع الكراتين، وكان المحافظ، ممشوقاً أمام الكاميرات، سعيداً أيما سعادة، وهو يشجع الرجل، الذى نقدره، وهو يعمل حتى سن 93 دونما محاولة، لتكريمه بالراحة، خاصة أن هذا العمل، ليس هو النموذج الأمثل لبناء أمم تبحث عن شعاع أمل نحو المستقبل! ولكن، قطعاً، المحافظ كان سعيداً بأنه يُقلد الرئيس!
الغريب أننا انشغلنا منذ أيام أيضاً، بنموذج فتاة، أشار إليها، الرئيس، فى مؤتمر الشباب الأخير بمحافظة الإسماعيلية، أو الظاهرة التى أُطلق عليها «فتاة البرجر»، حيث تحولت جميع مشاكلها، إلى حلول مثالية فى منهج تشجيع الشباب على العمل! وأصبح جهاز الحى الذى يحاربها وهى تبيع الساندوتشات، هو نفسه الحى، الذى يحمى تجارتها، الناشئة، رغم أنها، فقط، تقوم بتجهيز ساندوتشات البرجر، من خلال عربة صغيرة، ولم نجد نفس هؤلاء المسئولين، يبحثون عن كيفية تشجيع، إقامة الورش الصغيرة، فى حدود الحى، لتصنيع المسمار أو الصامولة، بدلاً عن استيرادها من الصين!
أرجوك.. لا تفهمنى غلط.. لأننى لا أقصد التقليل من قيمة عمل هؤلاء الناس، ولكننى، فقط، استفزنى مشهد المسئولين الذين ينافقون، للسير فى نفس الإطار الإعلامى للرئيس، رغم أنهم يعرفون تماماً أنهم مُخطئون، ومع ذلك هم مستمرون فى تجريف الاقتصاد المصرى من مضمونه، بدعايات حول تشجيع العمل العشوائى على حساب الإنتاج الحقيقى، وهى دعايات هدفها الحفاظ على المنصب، والحارس، والمكتب، وفلاشات الأضواء! الغريب أن نفس الإعلام، الرقمى والمصور تحديداً، الذى يهتم اهتماماً غير عادى بالاقتصاد العشوائى الاستهلاكى، لا يهتم مطلقاً بطرح أسئلة، حول أسباب تجاهل، نماذج منتجة أخرى، تساهم فى بناء حقيقى للاقتصاد، الذى نعرف انه بناء يقوم، على انتاج سلع قابلة لسد احتياجات ضرورية يطلبها السوق بإلحاح يومى، أو انها سلع قابلة للبيع إلى زبون فى بلدان أخرى، نحصل بموجبها على عملة صعبة، أو نتبادلها خلال صفقة مع منتجات ضرورية، لا ننتجها!
هذا والله ما أعرفه عن اقتصاد الدولة، هذا ما تعلمناه فى الجامعات، وهو ما يُطلق عليه فى المدارس «الناتج القومى» الذى نتمكن من خلال «إنتاجه» من شراء مستلزماتنا، واحتياجاتنا، دون أن نمد أيدينا للآخرين، فيعطوننا مرة، ويمتنعون مرات، لنهتز داخلياً ونتأثر نفسياً، ونتحول مع الوقت، إلى تصديق مقولة اننا شعب فقير، قليل الحيلة، رغم أننا بلد يمتلك قوة بشرية منتجة هائلة، تستحق أن تحصل على فرصة حقيقة فى الانتاج والعمل، عبر تشجيع المسار الصحيح للإنتاج، وليس بالتصفيق، لثقافة بيع الساندوتشات والتسالى والمياه الغازية!
قطعاً.. ستقول «قل لى» ما هى النماذج التى تريدها، وكيف نخرج من المأزق، ورغم اننى لست خبيراً اقتصادياً، ولا صاحب نظرية جديدة فى الصناعة، إلا اننى سأعطيك نماذج بديهية قادرة على مساعدة الاقتصاد المصرى، للخروج من عثرته، سوف أطرحها عليك الأسبوع القادم، بإذن الله!