فى المقال السابق رأينا كيف أدار الدكتور محمد مرسى اجتماعًا هزليًا لبحث مشكلة مياه النيل، وكيف أذيع هذا الاجتماع على الهواء مباشرة بتعليمات من الرئاسة، فتسببت الآراء الكوميدية التى طرحها بعض الحضور فى إحراج الدولة المصرية وضعف موقفها تجاه إثيوبيا ومعظم دول حوض النيل، ووصل الأمر إلى حد الأزمة الدبلوماسية، ولا شك أن هذا الاجتماع كان فضيحة بمعنى الكلمة، فقد عكس ضحالة تفكير بعض قادة الأحزاب السياسية الذين قدموا العديد من المقترحات المضحكة فى ظل غياب أجهزة الدولة الرسمية ومؤسساتها المنوط بها وحدها مناقشة مثل هذا الملف الخطير، وقد ساهم هذا الاجتماع فى انخفاض شعبية مرسى ووصولها إلى أدنى مستوياتها منذ وصل إلى الحكم فى يونيو ٢٠١٢، وهو من كان يطمح فى شغل الرأى العام بأزمة المياه ليتناسى موجات الغضب المتلاحقة والمتصاعدة، والتى أدت إلى ظهور حركة تمرد والدعوة إلى مظاهرة كبرى تجبره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكانت خطة مجابهة هذه الدعوات تتم على اتجاهين.. الأول: شغل الرأى العام بقضية خطيرة والتلويح بأن طبول الحرب تدق من أجل المياه، والثاني: إجراء الدكتور هشام قنديل لتعديل وزارى محدود كنوع من التغيير المطلوب، كل هذا فى ظل استمرار أزمة اقتصادية طاحنة ومعاناة جميع المصريين من انقطاع شبه دائم للكهرباء، فأدى ذلك إلى غلق الكثير من المصانع، ووفاة العشرات من الأطفال داخل حضانات المستشفيات التى لم تجد وقودًا لإدارة مولدات الكهرباء، حيث كانت تعانى مصر أيضًا أزمة فى الوقود، وبخلاف هذا كنا نعانى انقسامًا مجتمعيًا، وكنا قاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية شاملة، فمقار الأحزاب محاصرة ومدينة الإنتاج محاصرة وشباب الإخوان يعتدون على معارضيهم حتى من التيارات الإسلامية المنتقدة لسياسة مرسى، وشباب جبهة الإنقاذ يعتدون على شباب الإخوان الذين حاولوا إيقاف هدير حركة تمرد، بخلق حركة مناهضة لها تقوم بجمع استمارات تأييد لمرسى لكن سرعان ما فشلت هذه الحركة، لأن الواقع كان يؤكد إن غالبية شعب مصر غير راضية عن أداء مرسى الذى انصب اهتمامه على تمكين الإخوان من مفاصل الدولة، وتنفيذ أجندة انتقامية والسير وراء مخطط دولى لإعادة رسم خريطة المنطقة، على أن يكون الاستمرار فى الحكم هو ثمن الاشتراك فى تنفيذ هذا المخطط، وليس هذا كلامًا مرسلًا، بل تحدثنا عنه تفصيلًا وبأدلة دامغة فى المقالات السابقة، ونعود الآن إلى شهر النهاية.. يونيو ٢٠١٣ حيث تم الإعلان عن التشكيل الجديد لوزارة هشام قنديل، والتى ضمت وزيرًا جديدًا للمالية هو فياض عبدالمنعم ووزيرًا للآثار ينتمى إلى حزب الوسط وهو أحمد عيسى ووزيرًًًًا للاستثمار ينتمى إلى الإخوان وهو يحيى حامد، ووزيرًا للتخطيط ينتمى أيضًًا للإخوان وهو عمرو دراج إلى جانب المستشار حاتم بجاتو والذى تم تعيينه وزيرًا لشئون المجالس النيابية، فثارت عليه بعض الجهات القضائية لقبوله هذا المنصب فى ظل الخلاف الدائر بين الرئيس والقضاة والنيابة منذ الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر ٢٠١٢، وكان من الوزراء الجدد أيضًا فى وزارة قنديل الأخيرة علاء عبدالعزيز والذى تم اختياره لوزارة الثقافة فاعترضت الجماعة الثقافية عليه حيث طالته بعض الشائعات المشينة، ولم يكن لديه التاريخ الذى يؤهله لهذا المنصب المنوط به التعامل مع عقول مصر الواعية من فنانين ومثقفين الذين استقبلوا الخبر برفض تام واستنكار وقرروا فى سابقة لم تحدث من قبل التوجه إلى مقر الوزارة بالزمالك، ومنعه من الدخول إلى مكتبه والاعتصام بداخل مبنى الوزارة خاصة بعد قراراته التى أصدرها عقب أدائه اليمين الدستورية، فقد قام بعزل أحمد مجاهد من رئاسة الهيئة العامة للكتاب وعزل إيناس عبدالدايم من رئاسة دار الأوبرا، وإقالة صلاح المليجى من قطاع الفنون التشكيلية وإنهاء مهمة الدكتور عبدالناصر حسن رئيس دار الكتب والوثائق، وأما الأسماء البديلة فكلها كانت تحمل ميولًا إخوانية ما دفع بعض المثقفين إلى رفض هذا الأمر والاعتصام داخل الوزارة، ومن بين هؤلاء الكاتب الكبير بهاء طاهر وسيد حجاب ويوسف القعيد وصنع الله إبراهيم ونبيل الحلفاوى، وخالد يوسف ومجدى أحمد على ومحمد فاضل وفردوس عبدالحميد والفنان التشكيلى محمد عبلة، وانضم عدد كبير من السياسيين إلى المعتصمين ليعلنوا تأييدهم ودعمهم لموقف المثقفين ومن بين هؤلاء محمد البرادعى وحمدين صباحى، كما أعلن اتحاد الكتاب برئاسة محمد سلماوى ـ وقتها ـ تأييده الكامل لمطالب المثقفين بعزل عبدالعزيز من منصبه، وأصدر المثقفون والفنانون بيانًا أعلنوا فيه رفضهم للوزير الذى فرضته الفاشية الدينية الحاكمة، والذى بدأ فى خطة تجريف الثقافة الوطنية وهددوا فى بيانهم بأن الرئيس يجب أن ينفذ طلبهم بعزل هذا الوزير، وإلا أعلنوا سحب ثقتهم فى الرئيس وانضمت جمعية مؤلفى الدراما العربية برئاسة الكاتب محفوظ عبدالرحمن إلى المعتصمين وأعلنت تأييدها لهم، ووقع الجميع على استمارات تمرد التى تعلن عن سحب الثقة من مرسى والدعوة للخروج إلى الميادين فى ٣٠ يونيو.. وللحديث بقية.