قلنا إن كلمة الرئيس السيسى أمام قمة الرياض كشفت بكل شجاعة المسكوت عنه فى سياسات بعض الدول تجاه الإرهاب من حيث إن كل مَن يقوم بالوقوف خلف الإرهاب بشكل أو بآخر هو شريكٌ أصيلٌ فى الإرهاب فهناك دول تورطت -بكل أسف- فى دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة للإرهابيين، كما أن هناك دولاً تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن هذه المنظمات وأعضائها؛ خاصة من الأجانب ومنها قطر التى شارك حاكمها فى المؤتمر!! ومن محددات استراتيجية مكافحة الإرهاب القضاء على قدرة التنظيمات الإرهابية فى تجنيد مقاتلين جدد من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجى والفكرى وبدء التعامل مع الظاهرة من حيث الأسباب وليس النتائج فقط؛ لأن المعركة ضد الإرهاب هى معركة فكرية بالدرجة الأولى، ويجب أن تتضمن مواجهة التنظيمات الإرهابية شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين معها بتفسيراتٍ مشوهة لتعاليم الأديان تُخرجها عن أهدافها السمحة ووسطيتها وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية.
ثم حماية فكرة الدولة الوطنية والتركيز على دعم مؤسساتها وتأكيد الممارسة الديمقراطية دون أى سياسات للاستقطاب واستخدام التنمية وسيلة للحفاظ على الأمن القومى للدولة يمكن أن يكون عاملًا مهمًا يتصدى للإرهاب. وأعتقد أن توظيف هذه العوامل سيؤدى إلى التقاء الدول جميعها على أرضية مشتركة بشأن قيام المؤسسات الدينية والمجتمعية بعملية تصويب للخطاب الدينى، بحيث يتم التعاطى مع جوهر الأديان، لا سيما الدين الإسلامى الحنيف القائم على قيم العدل والحق والسلام وحتى نواجه محاولات اختطاف الدين ومصادرته لصالح تفسيراتٍ خاطئة وذرائع لتبرير جرائم لا مكان لها فى الفكر والعقيدة. ولهذا من الضرورى أن يتم تفعيل التعاون بين المؤسسات الدينية، خاصة الأزهر الشريف، الذى يمثل مرجعية الإسلام الوسطى المعتدل، بما يضمن فتح آفاق التعاون مع كل الدول الإسلامية فى هذا المجال، إن المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهمية عن المواجهة الميدانية؛ حيث يجرى التعامل مع الإرهاب من حيث نتائج عملياته التى تستهدف الآمنين.
يبقى الحديث عن الجانب الأمريكى؛ فقد قام الرئيس السابق أوباما بزيارة للشرق الأوسط قبل سنوات عدة، قدم خلالها وعودًا لم يحققها وتعهد بالتزامات لم يوفها، مع الفرق أن ترامب جاء يخاطب جمعا من رؤساء الدول والحكومات، وأوباما خاطب الرسميين من خلال دغدغة مشاعر المواطنين آنذاك!! والسؤال: هل أراد ترامب حقا فتح صفحة جديدة فى العلاقات العربية الإسلامية الأمريكية؟ تقول الخبرة التاريخية إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تبحث دائما عن مصالح واشنطن، وهو حق مشروع لأية دولة، لا بد أن تأتى مصالحها فى المقام الأول، غير أن هذه الإدارات كانت تقع دائما فى مستنقع سياسة المعايير المزدوجة، ما يجعلها تقول شيئا وتفعل أشياء أخرى، وهى سياسة كانت السبب فى سوء الفهم بين العرب والمسلمين وإدارة أوباما.
ولكى تؤتى رحلة ترامب للمنطقة ثمارها فيما بعد لا بد أن تصب نتائجها فى صالح كل الأطراف، ومن الضرورى أن تعترف بالواقع مهما كان صادما ويجرى التعامل معه بشمولية ودون تمييز، وأن يكون هناك تعاون حقيقى بين كل الدول لمكافحة التطرف والإرهاب!!