بمناسبة أننا نتكلم سوياً، عبر هذه المساحة، منذ عدة أسابيع، عن تنمية اقتصادية حقيقية، لماذا لا نطرح مجالاً آخر، من مجالات الاستثمار، وجلب العملة الصعبة، وهو مجال استغلال الإمكانيات البشرية الهائلة، فى مجال الاستثمار الرياضى! للأسف مجال الرياضة فى مصر يُنفق أموالاً هائلة، ولا يحقق عائداً حقيقياً، لأننا نتعامل مع الرياضة باعتبارها مُتعة، ناقصة، فننفق مليارات الجنيهات سنوياً على كرة القدم، وبث مبارياتها، دون غيرها من الألعاب، ولا نحقق عائداً، استثمارياً خارجياً، من ورائها، ولذلك أصبح المجال الرياضى، من الصناعات، التى نكتفى خلالها، بالحديث الدعائى عن بناء الإنسان، ولكننا لا نتميز فيه، كصناعة تحقق عائداً استثمارياً، وعملة صعبة، مثلما يحدث فى كثير من بلدان العالم!
المُلفت أننا نحتفى بصفقة بيع، لاعبنا الدولى محمد صلاح، المحترف فى صفوف نادى روما الإيطالى، لنادى ليفربول الإنجليزى، بمبلغ 45 مليون جنيه استرلينى أى ما يوازى مليار جنيه، دون أن نقوم بالتركيز فى نسبة نادى المقاولون العرب، الذى يحصل على نسبة من كل صفقات بيع اللاعب، وانتقاله، من نادٍ إلى آخر، فى الدوريات الأوروبية، ودون أن ننتبه إلى أن اللاعب نفسه سيحصل على راتب أسبوعى يقدر بمائة ألف جنيه استرلينى، أليس هذا استثماراً، يستحق الاهتمام! أليست هذه أموالاً وعملة صعبة، تمثل دخلاً، مهماً للدولة؟!
والسؤال هنا.. هل للدولة علاقة بنجاح محمد صلاح إلى هذا الحد؟! قطعاً لا.. الحكاية عبارة عن موهبة يمتلكها شاب صغير يلعب فى نادى المقاولون العرب، ووجدنا رئيس النادى شريف حبيب، يعمل على كيفية استثمار اللاعب، فتم بيعه فى وقت مبكر، مع زميله لاعب نادى الأرسنال الإنجليزى، محمد الننى، لأحد أندية سويسرا، لتبدأ عملية الاستثمار الهائلة، بسبب رفض هذا المسئول بيع أى من اللاعبين للأهلى أو الزمالك! الاستثمار كما قلنا فى مقالاتنا السابقة، هو تصنيع المنتج فى مصر، وبيعه للخارج، وجلب عملة صعبة، وهذا ما فعله نادى المقاولون، استثمر منتجاً مهماً، اسمه «موهبة» محمد صلاح، وقام ببيعه للخارج، بمبلغ معقول وقتها، ليحصل على ناتج تطور المنتج، ووصوله إلى أكبر الأندية العالمية، وحقق أيضاً مردوداً دعائياً، مهماً، قل عنه ما شئت، سواء ناتجاً سياسياً، أو سياحياً، أو أمنياً، بسبب وجود لاعب يُذكر اسم بلده كلما يتم ذكر اسمه!
طيب.. ماذا لو تعاملنا مع كل الأنشطة الرياضية باعتبارها أنشطة اقتصادية، ولا نهتم بلعبة كرة القدم فقط، ولكن نقوم بالتركيز، فى الاستثمار الرياضى الشامل، ونكتشف المواهب، فى كل الألعاب، ليصبح عندنا لاعبون محترفون، فى كل التخصصات، مثل لاعب الزمالك فى كرة اليد أحمد الأحمر الذى لعب لفترة طويلة فى فرنسا، وعاصم مرعى لاعب الزمالك أيضاً فى كرة السلة المحترف حالياً فى ألمانيا، ومثل العشرات من لاعبى كرة القدم المصريين المحترفين فى أوروبا ودول الخليج! لماذا لا يتم تأسيس هيئة استثمارية متخصصة فى رعاية الرياضيين الناشئين فى كافة الألعاب، وتوريدهم للخارج بعقود مدروسة، وموثقة، بحقوق رعاية تستمر لفترات طويلة لصالح الأندية الأصلية التى لعبوا بها، بدلاً من إخضاع الناشئين المصريين لابتزاز (بعض) السماسرة الذين يتاجرون فى الأولاد ويحققون من ورائهم ثروات، دون تحقيق فائدة للبلد أو اللاعب، ليعود هؤلاء «الأطفال» حاملين وراء ظهورهم فشل التجربة، بسبب قلة معرفتهم بالأوضاع فى الخارج، أو بسبب إخضاعهم لسخرة اللعب بمقابل، لا يتساوى مع مواهبهم، ودون معرفتهم بقوانين البلاد التى ذهبوا إليها فيسقطون فى أخطاء تكلفهم مستقبلهم الرياضى!
لماذا لا نتبنى لُعبة أخرى، بجانب كرة القدم، لتحويلها إلى لعبة شعبية، ننتج من خلال نشرها، مواهب كثيرة، يمكن توريدها للاحتراف فى الخارج، ولتكن كرة اليد أو السلة أو تنس الطاولة! أتذكر أننى وجيلى كنا نلعب تنس الطاولة فى طاولات منتشرة داخل المحلات، والساحات بشكل مُلفت، وكان صديقنا وجارنا وزميل الدراسة، أشرف حلمى، بطل إفريقيا للناشئين فى تنس الطاولة فى ذلك الوقت، هو النموذج الذى نريد الوصول إليه، باعتباره بطلاً قومياً، تهتم الصحف بأخباره، ولكن للأسف، اختفت هذه الطاولات، وانتهى الاستثمار البشرى فى هذا المجال! أتذكر أيضاً أن عدداً من مدربى كرة السلة فى نادى التوفيقية، حضروا لمدرستى الإعدادية، لاكتشاف طلاب يتميزون بطول القامة، لتدريبهم على لعبة كرة السلة، وبالفعل أصبح جميعهم لاعبين محترفين، أتذكر منهم فتحى عبدالعزيز، لاعب المنتخب الوطنى لكرة السلة الأسبق، والذى انتقل لنادى الجزيرة من نادى التوفيقية، وهو حالياً مدرب محترف لكرة السلة!
إذن نحن نستطيع تحويل الرياضة إلى استثمار بدراسات اقتصادية متخصصة فى الرياضة بدلاً من عشوائية الاكتشاف، وبدائية التسويق!
وللحديث عن استثمار إمكانيات البلد بعيداً عن تشجيع اقتصاد بيع الساندوتشات بقية.