على مدار عام كامل رصدنا ما حدث فى مصر أثناء السنة التى تولاها الدكتور محمد مرسى والتى بدأت فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، وانتهت فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وقد حاولنا قدر المستطاع أن نلتزم الحيادية، وأن ننقل ما حدث وفق المصادر التى اطلعنا عليها والتى لا نشك فى ولائها وحبها وإخلاصها للوطن، والواقع يا سادة أن أفعال مرسى وجماعته هى التى أدت إلى الثورة عليه فى ٣٠ يونيو، وكان بإمكانه أن يتجنب هذا المصير عدة مرات، وقد واتته الفرصة أكثر من مرة لجمع شمل الأسرة المصرية التى انقسمت على نفسها عقب ٢٥ يناير ٢٠١١، فبعد نجاحه بنسبة ضئيلة على منافسه الفريق أحمد شفيق والذى حصل على نصف أصوات الناخبين تقريبا، لم يكن مرسى بالذكاء السياسى الذى يدفعه لتعاطف هذه النسبة الكبيرة معه حال دعوته لشفيق أن يشكل الوزارة أو أن يكون نائبا له، ولكن المفاجأة أن مرسى ظل يهاجم منافسه ويتهمه بالفساد، وهى التهم التى نفتها جميع المحاكم التى نظرت القضايا المتعددة التى واجهت شفيق، ومن اللحظة الأولى لتولى مرسى الحكم وجميع أجهزة الدولة ابتداء من جيش مصر العظيم قررت أن تتعاون معه لصالح مصر، وفى الاحتفال بتنصيبه رئيسا قام أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعطاء التحية العسكرية له وجالسوه بمنتهى الود ووضعوا أمامه الملفات كافة، وحين طلب تعيين رجاله فى مؤسسة الرئاسة تمت الموافقة على تعيين ألف وخمسمائة موظف إخوانى داخل المؤسسة، ابتداء من مساعديه وانتهاء ببعض السعاة ومرورا بالسكرتارية الخاصة وبعض المستشارين، وكلهم بلا استثناء ينتمون لجماعة الإخوان وليسوا أصحاب خبرة فى المجالات التى عينوا بها، فأيمن هدهد مستشار الرئيس لشئون الأمن مهندس زراعى وعصام الحداد مساعد الرئيس للشئون الخارجية -بديل أسامة الباز العظيم- هو طبيب تحاليل، والغريب أن مرسى كان مستسلما لهؤلاء الذين أقنعوه بأن أجهزة الدولة تعمل ضده مع أنها لو كانت كذلك لرفض الجيش إجراء التغييرات التى أحدثها فى أغسطس ٢٠١٢ التى أطاح فيها مرسى بقادة المجلس العسكرى، ولكن الجميع التزموا الصمت وأدوا التحية العسكرية مرة أخرى حرصا على وحدة الوطن وسلامة الجيش، واصطدمت أجهزة الأمن بقرارات إعفاء مرسى عن مجموعة كبيرة من الإرهابيين الذين أدينوا فى قضايا عديدة وحصلوا على أحكام نهائية، فصدق على إخراجهم من السجن، ولكن أجهزة الأمن وخوفا على صالح المجتمع قررت وضع بعض هؤلاء تحت المراقبة، فكانت المفاجأة أن الرئيس بنفسه يحدث أحدهم هاتفيا وهو شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى الذى طلب منه الرئيس أن يتواصل مع أخيه لتخفيف الضغط على الأمريكان فى أفغانستان، لأن الإدارة الأمريكية وعدته بخير كثير للمنطقة كلها، وكثيرة هى المواقف التى عددناها لمرسى التى رسب فيها بامتياز، منها على سبيل المثال لا الحصر التقارب المصرى الإيرانى الذى صمم عليه ضاربا عرض الحائط بكل نصائح وزير الخارجية ورئيس المخابرات وقادة الجيش، فهذا التقارب سيؤدى إلى غضب إخواننا فى الخليج عدا قطر، ونحن نعتمد بشكل أساسى على بترول الإمارات والسعودية، وعندما زار مرسى إيران توقف ضخ البترول السعودى والإماراتى فكانت النتيجة أزمة الوقود التى عشناها لشهور طويلة وما تبعها من انقطاع دائم للكهرباء، وأما الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر ٢٠١٢ فكان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، وأدت إلى انقسام المجتمع المصرى إلى ما يشبه الحرب الأهلية، ومنها أحداث الاتحادية وحصار مدينة الانتاج والمحكمة الدستورية ودار القضاء، ومن الجانب الآخر حصار مكتب الإرشاد ومقرات حزب الحرية والعدالة ما هى إلا بشائر للحرب الأهلية، وقد نصح الجيش مرسى أكثر من مرة بالتراجع عن هذا الإعلان الذى جعل من قرارات الرئيس نهائية وغير قابلة للطعن، وهو ما لم يحدث فى أى عصر من العصور، وكانت آخر نصيحة من الجيش للرئيس فى صباح يوم الأربعاء ٢٦ يونيو حين التقى الفريق أول عبدالفتاح السيسى مع الرئيس مرسى وعلى مدى أكثر من ساعتين طلب منه أن يتضمن خطابه الذى سيوجهه الليلة للشعب خمس نقاط أساسية وهى إقالة وزارة هشام قنديل التى ثبت بالدليل القاطع فشلها، وتكليف شخصية مستقلة بعيدة عن الإخوان بتشكيل الوزارة، وكذلك إقالة النائب العام طلعت إبراهيم ومخاطبة المجلس الأعلى للقضاء لترشيح نائب عام جديد، والإعلان عن تعديلات دستورية جديدة تتفق مع طموحات الشعب، والموافقة على إجراء استفتاء شعبى حول الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأخيرا الدعوة إلى تحقيق مصالحة وطنية، ووافق مرسى على كل هذه الشروط ولم يعترض إطلاقا، والشىء الوحيد فقط الذى توقف أمامه هو إجراء استفتاء شعبى عليه وبعد مناقشة طويلة تم الاتفاق على أن يكون الاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة من عدمه وقال له الفريق أول عبدالفتاح السيسي بالحرف: «إنت مش واثق إن الناس معاك؟..خايف ليه؟».. ووعد مرسى بطرح هذه النقاط الخمس، وطلب من جميع قادة الجيش أن يحضروا هذا الخطاب لإعطاء صورة للعالم بأن الجيش يقف خلف رئيسه، ووافق السيسى على ذلك، شريطة أن يتضمن الخطاب النقاط التى ذكرها وأقسم مرسى أنه سيفعل ذلك، وعندما غادر السيسى وصدقى صبحى الاجتماع كانت المعلومات التى توفرت لهما تفيد بأن مرسى قد طلب من اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية القبض على ٣٦ إعلاميا وسياسيا أثناء الخطاب، ولكن الوزير وجهاز الأمن الوطنى رفضا تنفيذ هذا الأمر.. وللحديث بقية.