حضراتكم هل شاهدتم المأساة التى عرضها الإعلامى الكبير وائل الابراشى فى «العاشرة مساء» حلقة الثلاثاء الماضى واستضاف مجموعة من شباب المعلمين يتباهون بأنهم ابتكروا طريقة لتلقين وتحفيظ المواد التى يدرسونها فى مراكز التعليم الخاصة الشهيرة بالسناتر، المعلمون المحترمون يقومون بالرقص والغناء مع الطلبة والطالبات الصغار على إيقاعات ما يدعون أنه غناء شعبى يعيدون تأليف كلماته وفقا للمادة التى يدرسونها وسط مشهد نادر من الصخب والاسفاف والتهريج… تطوير وتحديث وابتكار فى أساليب الايضاح والشرح والتلقين، هكذا وصفوا الجريمة التى يرتكبونها… وأعلن واحد منهم أنه أعد لتدريس جزء جديد من المنهج على إيقاعات أغانى «شعبان عبد الرحيم» وبجرأة يحسد عليها غنى الأستاذ ما قام بتأليفه على إيقاعات هيه.. هيه!!
وعبر الهاتف تداخل أستاذ تربية ووصف ما يحدث «بالمسخرة»… وأثار الوصف غضب واحتجاج المعلمين الافاضل فى الاستديو لعدم تقدير ما يقومون به من تطوير وتحديث فى أساليب التعليم رغم ورودها كما قالوا فى أدبيات الابتكار فى التعلم ورددوا اسماء لمؤلفين أجانب!! نسيت أن أذكر أنه بين الصور والشرائط التى عرضت نماذج للمأساة مشهد للأولاد والبنات بعد أن أصبح التعليم مختلطا فى «السناتر يتلقون درسا على ما أظن فى الأحياء حول الزواحف والثعابين. وثعبان حى ضخم يلتف حول جسد سيدة كاسية عارية فى ثوب ضيق صارخ وقفت وسطهم!!
هل شاهد وزير التعليم هذا الشريط وهل وصلته أنباء هذا التحديث والتطوير فى طرق التعليم وأنباء ما يحدث ويرتكب فى هذه المراكز التعليمية أو السناتر وهل مازالت تعمل رغم ما حدث من تغييرات وتيسيرات فى العملية التعليمية.. وهل كما يقال إن كثيرا من هذه المراكز انتقلت الى داخل المدارس؟! وما هو دور مديريات التربية والتعليم التى تتبعها المدارس فى المحافظات.. هل هناك متابعة جادة وأمينة لجميع المؤسسات التى تتولى بناء أو هدم عقول وارواح الأجيال القادمة، خاصة إن التعليم ومؤسساته لقدر وحجم خطورته زرع فيه اكبر قدر من الخلايا النائمة والمستيقظة للتطرف واستلاب الوعى والانتماء!! وماهى المرجعية العلمية بالوزارة الأحدث أساليب التعليم والتعلم والتى تحمل مسئولية الإشراف على تطبيقها ومتابعتها فى مدارسنا دون أن تفتقد إلى الهوية القومية، خاصة وقد سمعنا عن استيراد أساليب التعليم فى دول كثيرة ولم يطمئننا أحد أن البعد القومى والانتماء سيكون جوهرا لجميع الأنظمة والطرق المستوردة.
وما مصير أمة تقع مسئولية قيادة مستقبلها بين أيدى خريجى التعلم من خلال حلقات التهريج والاسفاف تحت شعار مزيف اسمه استخدام الفن والموسيقى فى التعليم ـ وما أعظم النتائج اذا شاركت الفنون الراقية والموسيقى فى ترقية الحس والذوق أو يقع مستقبل الأمة بين أيدى خريجى مدارس الفاشية الدينية حيث أخطر وسائل تضليل وتغييب العقول وصناعة التربة البشرية الخصبة لزراعة بذور التطرف والارهاب!!
لفتنى فى حوارات مع قيادات تعليمية أنهم يرون أن الكثير من الأسر المصرية يقفون وراء استمرار «السناتر» ويغمضون عيونهم عما يحدث فيها وأن ما يعنيهم أن ينجح المعلمون فى تلقين وتحفيظ أولادهم المناهج بأى أسلوب. فالمهم أن ينحوا ويحصلوا على الشهادة ولا يعنيهم أن يتعاونوا مع وزير يريد أن يحدث أخطر نقلة وتحول فى التعليم من التلقين والحفظ إلى إعمال العقل والبحث والتفكير ويريد أن ينقذهم من انفاق مليارات فى المراكز الخاصة بإعادة المدرسة والمعلم والمعلمة إلى العصر الذهبى للتعليم الذى قدم لمصر أنبغ بناتها وأبنائها والعلماء الذين يشغلون مواقع قيادية فى أكبر الجامعات والمراكز البحثية فى العالم ويحمى أولادهم من مخاطر وانحرافات حدثت وتحدث فى بعضها، أو لا تجد الرقابة ولا يحدث الكشف عن كثير منها!! هل نسينا من كان يستخدم عبارات وايماءات جنسية فى احد المراكز؟!
استعادة المدرسة المتميزة وحب الطلبة والطالبات لهذه المدرسة ودعم القيم التربوية والوطنية كأساس للعملية التعليمية ولتعليم قومى تتوافر له مقاييس الجودة والحداثة وإصلاح أحوال المعلمين والمعلمات ماديا ورفع مستويات التأهيل والتدريب – لماذا لا يكون مشروعا قوميا تتشارك فيه الأسر مع الوزارة ومع كبار خبراء التربية والتعليم، ويدعم تمويله مع الدولة جزء من المليارات المهدرة فى المراكز الخاصة لمعالجة التدهور المتواصل رغم جميع المحاولات الإصلاحية والتى يقاومها ويهاجمها كثير من المستفيدين والمتربحين من بقاء حال التعليم على ماهو عليه؟!
لا أستطيع أن أكتب عن التعليم دون رجاء ونداء لوزير التعليم المحترم وبما لا أظن أنه يحتاج إلى توصية أو مطالبة أو شرح لما يمثله احترام اللغة العربية وضرورة جعلها مادة أساسية فى كل تعليم يتم على أرض مصر.. اللغة جزء أساسى من الهوية القومية.. ماهو المنتظر من أجيال تمزق وشائج اتصالها ومعرفتها بلغتها الأم؟! ويصل الأمر ببعض طلبة وطالبات المدارس المستوردة إلى استعمال اللغة الاجنبية للتعبير عما يعجزون عن نطقه باللغة العربية أو يكتبونها بحروف لاتينية!! لم يستطعها الاحتلال الاجنبى بجيوشه.. بل فرضنا عليه لغتنا… فهل القضاء على اللغة القومية وجه من الوجوه الشوهاء المتسللة لحروب الأجيال الرابعة أو الخامسة التى تحاول أن تخترق مصر؟! وللأسف فإن اللغة العربية فى مدارس الحكومة أو ما نعتبره التعليم الوطنى ليست أحسن حالا!!
لا ينكر منصف حجم مايتم من انجازات ومشروعات للنمو والتنمية والتعمير من شبكات طرق ومدن جديدة وأنفاق وكبارى واسكان وانهاء للعشوائيات، ومشروعات عملاقة تغير وجه الحياه فيه وترد الاعتبار والاستحقاقات التى حرم منها ابناء الصعيد عشرات السنين وزيادة للمساحات الخضراء بعد ماتم الاعتداء عليه والبناء فوقه من آلاف الأفدنة من أخصب أراضينا، ومشروعات إنتاجية ضخمة أحدثها حتى الآن أكبر مزرعة للأسماك فى الشرق الأوسط ومراع ضخمة لتربية الحيوان وانتاج اللحوم وتقليل الاستيراد… السؤال المهم الذى يفرض نفسه هنا هل مصر الجديدة المستهدفة بكل هذا العمران والتعمير والبناء والتى يتم السعى لتحقيقها بجدية وبعلم وتخطيط ـ هل مثل هذه الأجيال من مخرجات هذا التعليم تستطيع أن تتحمل مسئوليات قيادتها وحمايتها، واستكمال مواجهة والانتصار على المخططات الشيطانية التى يثبت كل يوم أنه مازال المخبوء والمخطط لهذا الوطن أكبر من كل ما تصورنا!! وهل تستطيع بعض النخب الشبابية التى يتم إعدادها وتظهر نماذج جيدة منها فى مؤتمرات الشباب أن تغنينا عن ضرورة الالتفات لجموع وملايين الشباب، وحقهم بلا تمييز فى تعليم قوى وحديث، وبأعلى شروط الجودة، وأن يتحول إصلاح وإنقاذ التعليم الى مشروع قومى لجميع المصريين.