لست مؤيداً، بل مستنكراً محاولات التشويه التى يمارسها البعض ضد من يبادر بترشيح نفسه لمنصب الرئيس، بل أحسبه نوعاً من الإرهاب لكل من يتقدم ليمارس حقاً كفله الدستور، فكيف نستنكر الأعمال الإرهابية ضد الدولة وأفرادها، ونمارسها بحرية وبمباركة من البعض ضد هؤلاء؟ فليس الإرهاب قتل الأنفس فقط، بل أيضاً هو القتل المعنوى والنفسى والفكرى، وليس فقط إجبار شخص على فعل ما لا يرتضيه، بل هو أيضاً منعه وحجبه عن فعل يرغب فيه، ويحق له، ويطمئن إليه، ولا يقيده فى هذا الحق قانون أو عرف، سواء بمنعه بالقوة، أو الزج به فى أتون معارك قضائية تشغله عن ممارسة هذا الحق. فلا أتصور أن واحداً من هؤلاء حسن النية أو المقصد، أو محب لوطنه، ولا أحسبه كذلك إذا كانت وجهته المثقفين والتنويريين فى قضايا ازدراء الأديان، فليس الأول وطنياً ووجهته وهدفه مصلحة الأمة، ولا الثانى متدين ووجهته وهدفه مصلحة الدين، بل الأول منافق يزايد على حقوق الناس، والثانى جاهل يخلط بين حقه وحق الله، فلا الوطن فى حاجة إلى دفاعهم، ولا الله بغافل عما يعمل الظالمون.
ما بالنا نتغير إلى الأسوأ، نرفض أمراً قائماً ونمقته ثم ندعو إليه ونزيّنه ونحمده ونمدحه، نرفض القبح ونستهجنه ثم نمارسه من وراء حجاب، نثور على الديكتاتورية ونحرق الأخضر واليابس ثم نضع نواة وبذرة ديكتاتور جديد فى أرض جديدة، نطالب بتداول السلطة ثم نكره من يمارسها ويبدأها ويفتح لها الأبواب، نقوم بثورتين على الظلم والفساد ونمارس القداسة ليومين ثم نظلم ونفسد ونفجر فى اليوم الثالث، فلا كنا فى حاجة إلى ثورة على الظلم إذا ظلمنا، ولا كنا فى حاجة إلى التمرد على الفساد إذا فسدنا وأفسدنا، ولا فى حاجة إلى تربية قديس إذا قتلناه وشنقناه على أعتاب مساجدنا وكنائسنا. نحن شعب لا يهجر ماضيه ولا يترك مصائبه ومفاسده على أبواب الزمن، بل يحملها ووزرها أينما حلّ ورحل. وأقولها دون مواربة: لست مستحسناً النيل من الذين أعلنوا ترشحهم، أو فتح ملفاتهم بغية تصيُّد أخطاء سابقة لهم، أو تشويه سمعتهم مجاملة للنظام أو الرئيس، والوقوف على الأعتاب، وإذا كان البعض يظن أن ترشح أكثر من مرشح لا يصب فى مصلحة التجربة وموجَّه لإحراج الرئيس، فهذا خطأ فادح، فشعبية الرئيس تتجاوز كل هذه المواقف والمساحات بفارق واسع يجعله فى اطمئنان تام، فلا تهزه ولا تحرجه، ورصيده لدى الجماهير ما زال عالياً، وما يحرجه إلا هذه الممارسات التى لا تخدم التجربة ولا تخدمه، وإذا كان هؤلاء يظنون أنهم يسعون إلى مجاورة الرئيس ويتقربون إليه فأعتقد أن الرئيس لا يجاور أحداً من هؤلاء، ولا يقربهم إليه، وليس لأحد دين فى رقبته، ونثق فى هذا، وترتاح إليه.
أما عن الفريق شفيق فإن البعض يظن أن الظاهر على السطح أقل بكثير من الباطن، والمعلن أقل من الخفى، والمستور أكثر بمراحل من المكشوف، ولست بهذا أتشكك فى أمانة الرجل ونزاهته، مهما صاحب عودته من علامات استفهام محيرة ومربكة، فمن زعم اتصاله بقطر وعزمها على مساعدته بمليارات، ومن ادعى أن منسق الصفقة بينهما أيمن نور، ومن جزم وأكد أن الهدف من جولته إلى أوروبا هو حشد أنصار جدد ضد الرئيس، وأنا أستبعد هذه السيناريوهات عنه تماماً، ولا أتصور فى الرجل سوء النية والمقصد والهدف، وأستبعد عنه التآمر على الوطن حتى لو كان الهدف كرسى الرئاسة، ولكن لا تمنعنا الثقة فى الرجل من ترقب الأمر وفحصه، ودراسة ما يحدث فى الأمر من جديد، فربما يُدفع دفعاً إليهم، أو يدفعوا أنفسهم فى طريقه، وهم بارعون فى هذا. وخلاصة الأمر: على الناس بحث الأمر بعقلانية، فمن يرى أن هذا الترشح إثراء للتجربة الديمقراطية، وإعلان للعالم على نجاحها واحترامها فى بلادنا، وتدريب شعبى على الممارسة الديمقراطية، وفرصة للمفاضلة بين برنامجين للمرشحين وأكثر، فهو أمر محمود فى الحسبان مأخوذ ومرصود ومعتبر، ونقدره وله وزنه. ومن يرى فى أمر ترشحه تخوفاً من انقسام فى المؤسسات المهمة فى الدولة، مهما كان من أمر انضباطها، وكذا تغيير فى منهج وأسلوب محاربة الإرهاب، فربما يأخذ منحى متهاوناً ومتساهلاً لوجود التيار الإسلامى بجناحيه الإخوانى والسلفى مفروضاً على المشهد، وربما يعود النقاش والجدال عن المصالحة والعفو عالياً على الساحة مبرراً ومباركاً ومغشوشاً، وهذه المؤسسات جزء من فصائل الحوار تسمع وترى وتتأثر، وتأخذ منه وتعطى إليه، وتُفضى إليه ويُفضى إليها، وربما ينقضّ هذا التيار فى لحظة انقسام المجتمع مرة أخرى على صدارة المشهد، فيأخذ ما يأخذ، ويسيطر قدر ما يستطيع، ويدخل قدر ما تفتح له خلاياه النائمة الأبواب، ونواجه من الخطر ما يقف على طول البلاد وعرضها، وليس هذا الأمر متاحاً أو ممكناً إلا فى وجود مرشح واحد هو أحمد شفيق وليس غيره، وكلها أمور لا نقلل من مخاطرها ووجوب حدوثها والتنبؤ بها، وهى نتائج ليست محمودة وليست معتبرة، ومقلقة ومحيرة، وتعيدنا إلى نقطة الصفر ومن أول السطر.
ليست دعوة ضد ترشح شفيق، لكن وجهة نظر لا بد أن تكون فى حساباتنا، وأهمس فى أذن المنافقين والباحثين عن طريق للرئيس: رصيده لا يحتاج كل هذا النفاق مهما تعرّض للصدمات، ويحتمل أكثر من هذا بكثير، ولن يخدمه صنعتكم وصنيعكم، ولكن خاطبوا فى الناس ذكاءهم دون تضليل، واعرضوا على الناس جوانب الموضوع بشقيه الإيجابى والسلبى، وراهنوا على حكمة الناس فى فهم المخاطر دون تشويه، فيؤتى ثماره، ويرى الناس الصواب بعيون راضية، دون تسويف أو امتهان، وبلا تزييف ربما يدفع البعض إلى الاستفزاز والعناد، وكلها مخاطر غير محمودة العواقب، وفى النهاية فالشعب أمامه الطريق واضح، وله عيون ترى وعقول تفكر، إما أن نسير إلى الأمام ونكمل الطريق، أو نعود إلى الخلف ونبدأ من جديد مع ما ينتظرنا من مخاطر وإرباك وفوضى ما أنزل الله بها من سلطان.