بقلم – عبد الفتاح عبد المنعم
نهض آخر الفرسان الأندلسيون العظام، موسى بن أبى غسان، وصاح: «لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدها، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش، والتعصب الوحشى والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق، وهذا ما سوف نعانى من مصائب الموت الشريف، أما أنا فوالله لن أراه»، ثم قام وخرج وجاهد حتى استشهد رحمه الله تعالى.
لله درك يا موسى عندما بررت بيمينك فلم تره، خرج موسى غاضبًا من مجلس المهانة والضعف والخور دون أن يرمق أحدًا أو يفوه بكلمة ثم ذهب إلى داره وغطى نفسه بسلاحه واقتعد جواده المحبوب «غارب»، واخترق شوارع غرناطة حتى خرج منها إلى معسكر الجيش الصليبى فلقيته سرية منهم مكونة من خمسة عشر فارسًا على ضفة نهر «شنيل» فانقض موسى عليهم كالأسد، وأخذ يمضى فيهم طعنًا وضربًا وأثخنته الجراح، ولكنه استمر فى القتال كأنه ما يشعر بالألم جراحاته، كثيرة وكانت ضرباته ثائرة قاتلة، وهكذا لبث يبطش بالفرسان الصليبيين حتى أفنى معظمهم، غير أنه أصيب فى النهاية بجرح خطير ثم قتل جواده فسقط على الأرض، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره، وأخذ يناضل عن نفسه حتى الرمق الأخير، ولم يرد أن يقع أسيرًا فى يد خصمه، بل رضى بالشهادة والقتال حتى مات رحمه الله، ولا عزاء لأشباه الرجال ولا رجال فى زمان ضاع فيه أبطال النضال.
ولقد صاغ الشاعر عدنان مردم بك هذه الصورة على لسان موسى بن أبى غسان فقال:
أنا لن أقرّ وثيقةً/ فرضت وأخضع للعِدا/ ما كان عذرى إن جبنت/ وخفت أسباب الردى/ والموت حق فى الرقاب/ أطال أم قصر المدى/ إنى رسمت نهايتى/ بيدى ولن أترددا/ كنت الحسام لأمتى/ واليوم للوطن الفدى/ أنا لن أعيش العمر/ عبداً بل سأقضى سيدا.
وغداً نتواصل