مرت ذكرى رحيل عبد الوهاب دون أن يحتفل بها أحد .. لم أشاهد فيلما من أفلامه على إحدى الفضائيات، وتناثرت بعض أغانيه على استحياء فى بعض البرامج ولكن لم تخصص له سهرة ولم نشاهد له لقاء واحدا من لقاءاته وما أكثرها.. ولا شك أن نسيان هذه الرموز ليس فى صالح الشخصية المصرية التى تسطحت بالفن الرخيص و المسلسلات الهابطة وأفلام الشم والمخدرات، بحيث تخرجت أجيال من المساطيل بعد أن وصل حجم تجارة المخدرات إلى أكثر من 35 مليار جنيه أو أكثر من دخل قناة السويس، ولك أن تتصور أن المصريين يتعاطون المخدرات بهذه الأرقام الخرافية .
لم نحتفل بذكرى رحيل عبد الوهاب وهو الذى شكل وجدان خمسة أجيال وعايش خمسة ملوك ورؤساء وقدم للفن المصرى أروع ما فيه، سمعته يوما يقول تركت فنا سوف يعيش مائة عام وقد صدق.. لابد أن اعترف أن الحياة تغيرت جدا بدون عبد الوهاب والسنباطى وأم كلثوم وحليم ورامى وهذا الجيل العبقرى الذى صاغ الوجدان العربى فى أجمل صوره ومشاعره.. نفتقد هذا الشموخ ويتعجب الإنسان كيف تركنا هذه الأرض الخصبة وقطعنا أشجارها واستبدلنا الأشجار بالحشائش، سمعت عبد الوهاب يوما فى حديث مع الصديق مفيد فوزى يقول من حق الزمان أن يستريح، كان مفيد يسأله لماذا غابت المواهب فى الأجيال الجديدة.
والحقيقة أن المقارنة بين حدائق الأمس وحشائش اليوم تدعو للحزن والأسى.. لم نحتفل بذكرى عبد الوهاب بينما امتلأت الشاشات بالبرامج التافهة وفتحت المواقع صفحاتها للطلاق والزواج والأخبار الشاذة، ولم أشاهد صورة واحدة لعبد الوهاب وسط هذا الصخب.. ما أكثر ضحايا النسيان فى مصر خاصة رموزها العظيمة التى منحتها القيمة والمكانة والتاريخ.. لابد أن تكون لنا وقفة مع مثل هذه التجاوزات ولا ادرى على من تقع المسئولية فى ذلك الإهمال سواء على المستوى الرسمى أو الخاص.. إن الإعلام غارق فى متاهات من الصخب والضجيج ولا يعقل أن تمر ذكرى عبد الوهاب دون أن نشاهد له فيلما أو نسمع أغنية أو نقرأ عنه كلمة عبد الوهاب اكبر من النسيان.