العاقل من يبحث عن المنحة داخل المحنة، لأن قدر الله تعالى كله خير، والفترة الماضية التي فرضت علينا عزلة اختيارية كان من أهم مميزاتها الوقوف مع النفس، واجترار ذكريات الزمن الجميل، هروبا من الواقع الأليم من ناحية، ومحاولة محاكاة الماضي الرائع بكل ما يحمله من قيم سامية، ورجال عدول أخرجوا لنا جيلا ما زلنا نعيش على نتاجه ونتغنى بأعماله.
وقصة الدكتور مشالي رحمه الله جعلتني أعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا، فهي تحمل الأصالة والشهامة التي كانت موجودة بالسليقة دون تكلف أو عناء، لأن المنظومة كانت سليمة في جميع القرى، والقيم مغروسة تلقائيا في النفوس، يرويها الآباء والأمهات فيمتص رحيقها الأبناء فتكون النبتة الصالحة القادرة على مواجهة التحديات مهما عظمت، الصلبة دائما تتكسر عليها المصاعب، الباقية أبدا على عهدها مهما تغير من حولها.
في قرية النزل بمركز منية النصر محافظة الدقهلية كانت نشأتي الأولى , وكعادة صبيان قرى مصر ارتبطت بالمسجد منذ الصغر, وكان قريبًا من منزلي مما سهل على الذهاب إليه منفردا , وتعلمت أمور الدين والفقه على يد الأستاذ أحمد الشافعي الشهير بالشيخ فوزى الشافعي بطريقة مبسطة ممتعة تناسب جميع الأعمار, وبوجهه طلق بشوش , فشربت العلم الشرعي بسهولة وتلقائية, وتعلمت فنون اللغة العربية بغير عناء مما كان له أبلغ الأثر في حياتي لاحقا, ومضت الأيام, وتوفى الشيخ فوزى عليه رحمة الله, تاركا لنا علمه وعمله وولد صالح ,نشأ هذا الابن في رحاب أبيه , تعلم في الأزهر وأكمل دراسته في كلية الطب بجامعتها, وأصبح الآن أحد أعضاء هيئة التدريس بها , وكما يقال الولد سر أبيه, وهذا الشبل من ذاك الأسد , قرر الأستاذ الدكتور محمد الشافعي نشر علمه المادي- كما فعل الوالد بنشر علمه الشرعي- بدون مقابل لكل من يحتاجه , بعد أن وفقه الله تعالى إلى وضع «بروتوكول» رخيص الثمن فعال النتيجة لعلاج وباء «كورنا» , فشل في تقنينه رغم وجود المنهج العلمي والأبحاث الازمة لإقراره, كما فشلت أيضا بعض المحاولات الإعلامية والصحفية لإيصال فكرته إلى المسؤولين في وزارة الصحة- ومنها مقالات لكاتب هذه السطور- ولكن« الشافعي» لم يستسلم لأن الهدف سامى والغاية نبيلة والرغبة رضا الله, فمنذ بداية أزمة «كورونا» نشر الطبيب الإنسان رقم هاتفه على صفحات التواصل الاجتماعي عارضا خدماته الطبية عن طريق تطبيقاتها المختلفة, متطوعا تماما لتقديم المشورة الطبية لأى مريض على مدار الأربع والعشرين ساعة, مع متابعة تامة لتطورات الحالة وتغيير بروتكول العلاج طبقا لذلك, ووصلت الحالات المرضية لأرقام قياسية, خاصة مع تسجيل نتائج بلغت نسبتها 100% ,وأصبح الطبيب لا ينام تقريبا, ولكنه ظل محافظا على العهد الذى قطعه على نفسه, وكلما حدثته نفسه بحديثها, تذكر والده فواصل رحلته راضيا, محاطا بدعوات المئات الذين من الله عليهم بالشفاء, وكلما جاءته رسالة شكر وعرفان وامتنان زادته إصرارا على المضي قدما في تقديم مساعدته التي يجد صداها على وجوه المرضى قبل أجسادهم, لأن «بروتكول الشافعي» كما اسماه يعتمد أساسا على طمأنة المريض وبالتالي رفع مناعته, قبل تناول العلاج, مما شجع الكثيرين على سرعة الاتصال به والاعتراف بالإصابة وطلب المساعدة, عكس ما هو معروف من التكتم على الحالات , خوفا من الفضيحة من ناحية, وعدم الثقة في جدوى العلاج من ناحية أخرى.
وصفحة «الشافعي» على وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بقصص الشفاء العجيبة والصادقة لأنها تروى على لسان أصحابها, والغريب ان هذه الحالات لفئات عمرية مختلفة تدرجت من الاطفال وحتى الشيوخ, وسبحان الله الذى ما جعل داء إلا وأنزل معه الدواء, وكون أصحاب هذه القصص رأيا عاما يطالبون بتقنين هذا البروتكول بعد إخضاعه لكافة الإجراءات الازمة لذلك, ليستفيد منه الجميع, وبرغم سعادة الطبيب بهذا المردود الشعبي إلا أنه يحي في نفسه الحلم الكبير الذى سخر كل أدواته من أجله وهو إقرار هذا البروتكول رسميا حتى لا يضيع جهده هباء منبثا.
ونحن بدورنا نوجه النداء الأخير لمن يهمه الأمر ويملك شجاعة القرار لمقابلة هذا الطبيب ومناقشة بحثة، وتحليل ما يقدمه من علاج علنا نجد فيه خيرا, خاصة أن مصر ولادة دائما لعبقريات سيظل التاريخ شاهدا عليها ما بقيت الحياة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية