محمود ياسين بالنسبة لي ملك نوستالجيا الحنين؛ المغردة على أوتار أحباله الصوتيه؛ عندما أسمعه يعيدني إلى ذكريات عشتها عندما شاهدت هذا العمل.
محمود ياسين الساحر الذي أسقط الحواجز بينه وبين الجمهور؛ بأريحية وعفوية؛ ببصمة صوته التي تميّزه عن أصوات الآخرين؛ في أحيانا كثيرة أغمض عيناي لأشاهد أداء محمود ياسين بأذني؛ فهو صاحب أداء صوتي عبقري وقادر على العزف بمرونة ويسر على مشاعرك وحواسك لتصل إليك الشخصية التي يؤديها.
فصوته ثروة أدائية في حد ذاته؛ وتبرز وتيرة صوته للمشاهد فتنقله إلى عالم الشخصية حتى وهو يتكلم بطريقة عادية؛ ويتساوى ذلك إذا كان صوته رنان منخفض أو ذو غنة عالية أو بين هذين الصوتين حتى عندما يصبح واهنا ضعيفا مغرقا في الضعف؛ إنه القادر على أن تري دموعه من خلال رنين صوته؛ وكذلك تشعر بابسامته؛ فنغمة صوته مقرونة بمحتوي رسالته التى يريد توصيلها للجمهور؛ فهي وسيلة النقل؛ رسول الحيوية والطاقة والإثارة والحماس المفعمة بالمصداقية، ليستطيع المشاهد رؤيته بأذنيه؛ ومعرفة الحالة النفسية للشخصية التي يؤديها من النغمة الصوتية لأداءه.
ويبدو هذا واضحا بقوة ووضوح بالغ في شخصية هاشم التي قدمها في أنف وثلاثة عيون والتدرج في الأداء الصوتي بين التحكم بكل سطوة ورجولة أثناء علاقته بأمينة (ماجدة)؛ ثم الصوت المفعم بالاحتواء مع نجوى (نجلاء فتحي) إحدى مريضاته التي تعاني من عدم القدرة علي السير بسبب حالتها النفسية، فيقع في حبها ويقرر أن يتزوجها؛ وعندما يعلم أنها تعيش مع رجل يصرف عليها وأنها لا تصلح للزواج منه؛ ترى الانهيار الصوتي إلى حد الوهن والضعف؛ ويتحول الصوت إلى اللامبالاة والاستهتار الممزوج بالشجن مع رحاب (ميرفت أمين) الفتاة المتحررة والتي لا تتوانى في أن تقيم علاقة مع أي شاب ولكنه يرفض تحررها هذا ولا يستطيع مجارتها؛ فيصل إليك صوته ملئ بالتعاسة.
وعبقريقة صوت محمود ياسين تتعدي أنه صاحب سمات الصوت الأربع القادرة على التعبير المتمكن من التحكم في نبراته ما بين الاسترخاء؛ طريقة التنفس؛ الإلقاء؛ وتأكيد المقاطع ويبدو هذا بشكل كبير فى إلقائه الشعري وأعماله المسرحية والإذاعية؛ وأستمعت به فى مسلسلاته التليفزيونية وخاصة «رياح الشمال؛ غدا تتفتح الزهور؛ جمال الدين الأفغاني، ابن سينا، الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، طريق النور».
وفى الحقيقة إن هذا العبقري المتمكن يبدو دوما صوته نشيطاً ؛ مليئاً بالحركة لأنه صوت متصل بعقل يفكر باستمرار ويتكيف ويعدل من محتوى نبراته؛ بما لا يتفق فقط مع قواعد فن الإلقــاء وأحكامه وشروطه ولكن ليتعدي ذلك لإظهار الشخصيّة التي يؤديها؛ مالكا نواصي التــأثير والإقناع من حيث تنّــوع الصــوت مابين الشدّة؛ الهمس أو النعومة أو التأكيد ؛ والوصول إلى مرحلة التمرد كما فى شخصية (عادل)فى الخيط الرفيع؛ فالحب والغزل والرأفة والحنان، يتحتاج إلى نعومة النبرات، والمشاهد التحذيريّة، تحتاج إلى الهمس، أما التمرد والرغبة في الابتعاد فلها نبرة صوت مغايرة تشير إلى نهاية التجربة وفي الحقيقة إن عبقرية صوت محمود ياسين تكمن في أنه يعرف أن هناك من الجمل الحوارية التي تتطلّب سرعة معينه في أدائهـا، وأخري تحتاج معانيها إلى البطيء والتروي لتكون الحروف المنطوقة سليمة وواضحة بدون الوقوع في الرتابة والملل وجريان الصوت على نبرة واحده؛ وهو في ذلك المجال يملك ميزان من ذهب.
إن عبقرية صوتية تمتلك الليونة اللازمة للتعبير الصحيح عن معنى ما يلقيه؛ لذلك عليك تذكر حواره مع أحمد السقا فى فيلم (الجزيرة)، إنه صاحب البصمــة الصوتية التي من خلالهــا نتعرّف علي الشخصية التي يؤديها والاقتناع بمــا يقوله عقله من العديد من القيم والدلالات الفكرية والأخلاقية ، لنقلهــا إلى المتلقي ناضجة بدون تحريف بالشكل الذي يساعده على نقل أفكار المؤلّف وإبداعات المخرج، بالشكل الفني الذي ميزه وأبرزه كصاحب النمط الصوتي المراد؛ ويبدو ذلك بوضوح فى غابة من السيقان وشخصية المحامي حمدي الذي كان مثاليا قبل أن يتعرف علي سميحة التي تتنهز غياب زوجها وتدعوه إلي المنزل لتكون معه علاقة عابرة معه ويحس حمدي بالذنب ويبدأ الشك يدخل قلبه بعد أن تتعرف زوجته علي سميحة التي تدعوهما لسهرة والشكوك تكاد أن تصيب حمدي بالجنون قبل أن يتفاقم الشك ليصبح مريضا نفسيا.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية