هل فكرت يوما في الأثر الخفي الذي تحدثه شبكات التواصل الاجتماعي في حياتك المباشرة وغير المباشرة؛ وأنها تجعلك في البداية تعيش السعـادة من خلالها؛ كأدمان مشاهدة المسلسلات؛ ثم تصبح مصدر التعاسـة؛ بعدة طرق وبشكل سلس وخفي، وبطـرق أنت لا تعلمهـا ولكنها تؤثر في حياتك التأثير الأكبر؛ هذا مايطرحه فيلم « Delete History » حذف التاريخ المعروض في مهرجان الجونة بدورته الرابعة .
«حذف التاريخ» هو فيلم كوميدي فرنسي بلجيكي لعام 2020 ، تم إنتاجه وكتابته وإخراجه بينوا دولبين وجوستاف كيرفيرن. تم اختيارها للتنافس على الدب الذهبي في قسم المسابقة الرئيسي في مهرجان برلين السينمائي الدولي السبعين. في برلين ،و فاز الفيلم بجائزة بيرلينال السبعين للفيلم.
وفيلم « Delete History» حذف التاريخ يغوص بك في قضايا عدة قد تدمر حياتك بسبب شبكات التواصل الاجتماعى والنت بداية من التنمر والابتزاز ؛ وأنتهاءا بأدمان متابعة كل ما ينشر عبر تلك الوسائل؛ وللأسف لا يزال البعض يتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي باستخفاف، حتى مع علم الجميع أن أثرها أصبح هائلا بصورة لم ترَ البشرية مثيلا لها من قبل.
ومع ذلك الشبكات الاجتماعية بالنسبة للبعض هي مجرد شبكات افتراضية، إما للتواصل أو العمل أو التعارف أو مشاركة الاهتمامات، ولا يُتصوّر أنَّ لها أثرا يتجاوز ذلك.هذا التصور أثبت خطأه الكامل، والواقع أننا جميعا أصبحنا مغمـورين تمامًا بسطوة الشبكات الاجتماعية بشكل أكبر بكثير مما يمكن تخيّله، وأصبحت هذه الشبكات جزءًا أساسيًا من مفهوم السعادة والغضب والاكتئاب والحزن، بل أصبحت أيضا أساسا محوريا راسخا لعدد كبير من مستخدميها بخصوص مفاهيم حياتية شديدة الحساسية والخصوصية ربما من الصعب منطقيا ربطها بواقع افتراضي بحت.
Delete History حذف التاريخ يضعك أمام أسئلة عدة؛ عليك الأجابة عليها لتعرف مقدار ما وصلنا اليه من تدمير لحياتنا ؛ فهل شعرت بالإحباط يومًا ما عندما يطلب منك أحد مواقع الويب تحديد صور لإشارات المرور لإثبات أنك لست روبوتًا، أو كنت تكافح من أجل طريقة للحفاظ على كل كلمات مرور الإنترنت الخاصة بك في نصابها الصحيح.
إن هذا الفيلم يعد هجاءا للعصر الرقمي فهل يعقل أن مجلد الرسائل غير المرغوب فيها على حساب Google Mail الخاص بك ،قد يكون سببا في تدمير حياتك؛ رغم إنه مليء بالملاحظات الساخرة حول كيف يبدو أن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الابتكارات التي تهدف إلى تبسيط حياتنا تبدو أنها تعقدها بدلاً من ذلك.
في هذه الكوميديا المضحكة بصوت عالى؛ والتى يقدمها فريق الإخراج الفرنسي بينوا دولبين و وجوستاف كيرفيرن أصحاب أفلام الطريق المرتدة «Aaltra» و «Mammuth » ، تتعايش مع مآسى ثلاثة من الجيران في منتصف العمر من الطبقة المتوسطة ؛يعانون من مجموعة من الصداع الخاص بالقرن الحادي والعشرين ووسائل التواصل الأجتماعى مابين الابتزاز عن طريق تصوير فيديو لعلاقة خاصة لسيدة قامت بممارسة الجنس مع شاب تحت تأثير الخمر؛ وتدمير حياة ابنة بسبب فيديو تنمر أذيع على الفيس بوك؛ إلى جانب أن والدها يقع تحت طائلة قصة حب وهمية يكتشف فى النهاية أن الفتاة روبوت؛ وسيدة أخرى أدمنت مشاهدة المسلسلات فتسببت فى كارثة أنتشار أشعاعى؛ ففقدت وظيفتها وزوجها؛ وعندما عملت سائقة فشلت بسبب التقيم الإلكتروني لعملها. والطريفة أن النكتة الكبيرة التى تحصل عليه من الفيلم وتنبهك لخطورة مانعيشه تحدث عندما يصل الأبطال الثلاثة في نفس الوقت إلى نقطة الانجذاب؛ حيث يتعهدون بمواجهة شركات التكنولوجيا التي تدمر حياتهم.
وبأستعراض الأحداث فى Delete History حذف التاريخ أنتم أما شخصية غارقة في الديون وغير متأكد من كيفية حماية ابنته من التنمر الإلكتروني في المدرسة، ومع ذلك يستريح الأرمل الوحيد برتراند (دينيس بوداليديس) في محادثات طويلة وحميمية مع مسوقة عبر الهاتف في موريشيوس يُدعى ميراندا.
بينما لم تحصل الأم العازبة ماري (الممثلة الكوميدية بلانش جاردين) على فلس واحد من مقطع الفيديو الفيروسي الذي تبلغ مساحته 700 مليون مشاهد ، مما يجعل من الصعب دفع الفدية التي يطالب بها المبتز (فنسنت لاكوست) حتى لا يقوم بتحميل الشريط الجنسي الخاص بها على النت فيصل إلى أبنها . ولا تستطيع كريستين (Corinne Masiero) التوقف عن الإفراط في تناول مسلسلها المفضل، والذي أدي إلى طردها من وظيفتها اليومية؛ وتدمر كسائقة تحصل على مشاركة منخفضة التصنيف.
وإلى جانب الأهداف الرقمية الواضحة للفيلم، يظهر فيلم «حذف التاريخ» باعتباره محاكاة ساخرة للطبقة العاملة في فرنسا؛ من خلال أحتفاظ كريستين بسترة صفراء في سيارتها ، في إشارة إلى أنها تتطابق مع الاحتجاجات الاقتصادية الأخيرة في البلاد؛ و على الرغم من أن جميع المنازل الثلاثة في Hauts-de-France تتمتع بامتياز امتلاك الهواتف والسيارات وأجهزة الكمبيوتر الشخصية ، إلا أن كل واحد منهم يحاول التخلص من وقوعه تحت أحتلال الثقافة الاستهلاكية.
ومن خلال أحداث Delete Historyحذف التاريخ يبذل الممثلون الثلاثة قصارى جهدهم للتعامل مع عبثية التكنولوجيا والبيروقراطية وحماقتهم في أطار سيناريو يسهل التعرف عليها ، الى جانب ظهور شخصيات هامشية تعيش مأساة العالم الرقمى الذى نعيش به ولو لمرة واحدة؛ ففي أحد المشاهد ؛ يظهر الدليفرى الذي يعاني تقريبًا من انهيار عصبي في محاولة لتوصيل عشرين زجاجة ماء لمتسوق عبر الإنترنت. ولاحقًا ، تأثرت ماري برؤية مراهق يحمل كتابًا ويريد أن يعرف ما يقرأه؛ فيجيب أن الكتاب هو :«كيف تختار الهاتف الخلوي الصحيح» .
والمشاهد الرائعة في «حذف التاريخ»، جاءت عندما تمكن الأصدقاء الثلاثة من تعقب قرصان متهور يطلق على نفسه اسم (بولي لانرز) ، و يدعي أنه يمتلك السيطرة على «السحابة» المتمثلة في الذكاء الاصطناعي الجديد الذي ابتكره الإنسان ليتفوق على نفسه؛ ويقنع كل واحد فيهم بكيفية الوصول لحل مشكلته؛ فتطير ماري إلى وادي السيليكون، حيث تتسلل إلى مركز البيانات حيث يتم تخزين الأشرطة الجنسية الافتراضية من جميع أنحاء العالم على محركات أقراص صلبة ضخمة. «p – y الخاص بي في السحابة!» ؛و تأخذ كريستين منشارًا إلى مكتب صاحب عملها وتقوم بنشر الكمبيوتر الذى يقيم أدائها؛ بينما يتبع برتراند قلبه إلى موريتانيا فيكتشف أنه وقع ضحية الذكاء الاصظناعى وأنه يحب ريبوت.
وفى النهاية أرى أن «حذف التاريخ» هو أجابة سريعة لمآسى جيل يقع تحت رحمة Facebook / Google / Alimazone؛ فيعانى من التنمر والابتزاز؛ وأدمان المشاهدة.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية