لم ينس التاريخ ماحدث سريبرينيتشا في بوتوتشاري؛ وها هي السينما تعيده إلينا بكل أوجاعه لتدين العالم وليس الصرب فقط في ما حدث من مذابح للمسلمين وقف العالم أمامها مكتوف الأيدى وكأنه مشارك فيها بتخاذله.
تأتي على إثر ذلك أهمية فيلم « إلى أين تذهبين يا عايدة ؟» كصرخة مدوية للمخرجة ياسميلا زبانيتش؛ والذي يتناول قصة عايدة المترجمة للأمم المتحدة في مدينتها الصغيرة سربينيتسا.
الفيلم يشارك ضمن المسابقة الرسمية لـ مهرجان الجونة في دورته الرابعة بعد مشاركته في المسابقة الرسمية في الدورة 77 لـ مهرجان فينيسيا السينمائي .
سريبرينيتسا هي بمثابة ذروة الإبادة الجماعية ضد مسلمي البوسنة، لأن القوات الصربية كانت تقوم بـ«تطهير عرقي» بالقتل والإغتصاب؛ و للأسف رفضت الأمم المتحدة الإذن باتخاذ إجراءات أكثر قوة لوقف العدوان الصربي.
الفيلم يذكرنا؛ ويدين ما حدث بهذا المساء الحزين في 11 يوليو 1995، حيث تجمع ما بين 20 و25 ألف لاجئ بوسني من سريبرينيتشا في بوتوتشاري، طالبين الحماية داخل مقر أفراد الكتيبة الهولندية.
كان آلاف من اللاجئين قد وُضعوا داخل المجمع، بينما انتشر الباقي في المصانع والحقول المجاورة؛ وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى كانت من النساء والأطفال والمُسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن 63 شاهدًا قدروا تواجد 300 رجل على الأقل داخل محيط مجمع قوة الحماية الهولندية وما بين 600 و900 رجل بين الحشود في الخارج.
كانت الظروف في بوتوتشاري صعبة جدا بتوفُر «القليل من الطعام أو الماء» والحرارة الشديدة. أصيبوا بالذعر، وكانوا خائفين، وكانوا يضغطون على بعضهم البعض ضد الجنود الأمم المتحدة الذين حاولوا تهدئتهم.
والمحزن أنه في 12 يوليو من نفس السنة، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 1004، عن قلقه إزاء الوضع الإنساني في بوتوتشاري، كما أدان أيضًا هُجوم قوات صرب البوسنة وطالبها بالانسحاب الفوري وهذا مافعله فقط!!!!
في 12 يوليو 1995، رأى اللاجئون في المُجمع بعض أعضاء جيش جمهورية صرب البوسنة يُشعلون النار في المنازل وأكوام القش.
وطوال فترة ما بعد الظهر، اختلط الجنود الصرب في الحشد ونُفذت إعدامات موجزة بحق الرجال.
في وقت متأخر من صباح يوم 12 يوليو، رأى أحد الشهود كومة من 20 إلى 30 جثة متكدسة خلف مبنى النقل في بوتوتشاري.
ونتيجة لمفاوضات الأمم المتحدة المكثفة مع قوات صرب البوسنة، نُقلت حوالي 25,000 امرأة قسراً من سريبرينيتشا إلى الأراضي التي يُسيطر عليها البوشناق.
وبحلول عام 2006، كُشف عن وجود 42 مقبرة جماعية في المناطق المُحيطة بسربرينيتسا، ويعتقد أهل الاختصاص تواجُد 22 مقبرة جماعية أخرى.
وحُدد عدد الضحايا في 2,070 بينما لا يزال رُفات الضحايا في أكثر من 7,000 حقيبة لم تُحدد هوياتُهم بعد.
بالطبع الفيلم قدم بعضا من الصورة البشعة لما حدث هناك ولكن تظل المجموعة الأكبرمن الفظائع الأخرى محجوبة أو منسية أو مهملة.
وبالتالى يجب عدم نسيانها أبدًا؛ وخاصة في ظل تصاعد موجة القومية التي تجتاح العالم، حيث العنصرية والمشاعر تستخدم كمنصات إلى السلطة.
نحن هنا نعيش تجربة عايدة، مدرسة اللغة الإنجليزية التي تعمل مترجماً لقوات حفظ السلام الهولندية في قاعدة عسكرية للأمم المتحدة في سريبرينيتشا في يوليو من عام 1995 ، ومحاولتها المستميتة الضائعة لتجنب ما إنتهى به الأمر إلى إبادة جماعية من الرجال والفتيان البوسنيين، وهي أكثر الإبادات الجماعية كارثية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا.
عندما تُغلق بوابات الملجأ بسبب التدفق الهائل للمدنيين الذين يسافرون إلى سريبرينيتشا بحثًا عن الأمان.
وبفضل الجهود الجبارة التي بذلتها مع العقيد كاريمان (يوهان هيلدينبيرج) والرائد فرانكن (ريموند تيري) ،إدخال عائلتها الى مقر المفوضية هناك وخاصة تطوع لزوجها كواحد من المتحدثين في قافلة للتفاوض مع القائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش (بوريس إيساكوفيتش) من أجل النقل الآمن لمسلمي البوسنة.
لكن المفاوضات امتدت بضع ساعات متوترة حيث أفسحت المفاوضات الدعائية المصحوبة بعجز ممثلي الأمم المتحدة الهولنديين الطريق أمام المذبحة التي لا مفر منها.
وحطمت زبانيتش التوتر الدراماتيكي في كفاح عايدة لإنقاذ زوجها وأبنائها بقوة تقشعر لها الأبدان.
لتصبح المفاوضات في نهاية المطاف حيلة واضحة لإخراج جميع اللاجئين من المجمع لأن قوات حفظ السلام الهولندية لم يُسمح لها باستخدام القوة ضد صرب البوسنة.
وكما يفرض التاريخ في النهاية، يُفصل الرجال والأولاد عن النساء والأطفال الصغار، ويتجمعون على الفور في مجمع ويُعدمون، وتُدفن جثثهم في مقابر جماعية.
بعد سنوات، تحاول نسائهم التعرف على العظام بينما يكافحون من أجل الاحتفاظ بالوصول إلى ممتلكاتهم التي يسكنها الآن السكان الصرب البوسنيون.
وشخصية «عايدة» التي أدتها الممثلة البارزة ديوريسيتش كانت بمثابة النقطة المحورية الملتهبة.
وكأنها كرة من اليأس الشديد وهي تندفع ذهابًا وإيابًا، وهي مدركة بشكل مؤلم للقيود القصوى التي يفرضها منقذو الأمم المتحدة المقيدة وغير القادرة على استخدام القوة اللازمة لمحاربة الصرب؛ إلى الدرجة التي يكون فيها السماح لعائلتها بالمغادرة يعني الموت المؤكد.
ولقد برع المصور السينمائي كريستين إيه ماير فى إعادة النظر في الرعب التاريخي الحديث الذي لا يزال قاتله يعيشون فيه حيث حُكم على القائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش بالسجن المؤبد في عام 2017 .
الرائع أن «إلى أين تذهبين يا عايدة؟» للمخرجة ياسميلا زبانيتش سلط الضوء على عبء النساء في زمن الحرب.
والمخرجة ياسميلا زبينيتش، بوسنية ولدت في 19 ديسمبر، 1974، في سرييفو)، ومخرجة أفلام من البوسنة والهرسك، حصلت على الدب الذهبي عام 2006، عن فيلمها قرابافيتشا. لزابنتش طفة اسمها زوي.
ولها أيضا فيلم على الطريق في 2010. الفيلم من إخراج وسيناريو ياسميلا زبينيتش وتقع أحداث الفيلم في سراييفو عن حرب البوسنة والهرسك.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية