منذ أيام قليلة جاء صاحب سيارة مزخرفة بالألوان، ووقف في المنطقة التي اسكن فيها. متخذاً من قطعة أرض كانت مخصصة كحوض زرع، وتم اهمالها للأسف. وشرع في أخذ وصلة من كابل التيار الكهربائي الموجود بجوار حوض الزرع، ليتمكن من إعداد وبيع المشروبات الساخنة من قهوة، وشاي، وغيرها باستخدام أدواته. وعندما تحدثت مع أحد السكان عن هذا الوضع الغير حضاري وسرقة للتيار الكهربائي أيضا، فكان الرد الصادم منه «سيبوهم ياكلوا عيش!».
بهذة المقولة انتشر الباعة الجائلين في العديد من الأماكن فأول النار «شرارة». فتجدهم أمام المستشفيات، والمدراس، ومحطات المترو، ومواقف الأتوبيسات، وعلى الأرصفة، وغيرها من الأماكن سواء الشعبية منها أو المتحضرة. وتصبح الحالات الفردية ظاهرة مخيفة تنتشر شيئًا فشيئاً في المجتمع.
ومن ناحية أخرى، لم تعد ظاهرة انتشار الباعة الجائلين دليلاً على عشوائية شوارع الدولة وعدم انضباطها فحسب، بل صارت دليلا على تحولها إلى ساحات للتلوث، وانتشار الأمراض، والظهور بمظهر غير حضاري.
إن ظاهرة الباعة الجائلين واحدة من المشكلات المتفاقمة. فالمشكلة ليست في رغبة بعض الأشخاص في العمل، بل في استغلال حق المواطن في العيش بأمان والتحرك بحرية، وسرقة موارد الدولة من كهرباء، ومياه. وبالإضافة إلى نشر التلوث، ورمي القمامة في الشوارع والطرقات، وعلى الأرصفة، وتعطيل حركة المرور والسير، ناهيك عن البلطجة والصوت العالي من بعض الأشخاص.
إن مقاومة ظاهرة الباعة الجائلين منذ البداية أمر في بالغ الأهمية. حتى لا ينتشر ويستفحل، ثم تنقلب الآية، فبدلاً من أن تخرج الأصوات لترفض هذه الظاهرة تبدأ أصوات «سيبوهم ياكلوا عيش!» في العلو. وتطالب بقبول هذا السلوك، ومنح حقوق لهؤلاء الباعة في استغلال أراضي الدولة.
كما أن الحل ليس في القيام بعمل حملات بإزالة «تعديات من الباعة الجائلين». وتنظيف الشوارع ورفع الإشغالات. بعد أن تستفحل المشكلة، فبالرغم من صعوبة توفير «لقمة العيش». يجب أن يتكاتف الجميع مع مؤسسات الدولة من أجل رصد كل ما هو سلوك خاطئ. فعندما نصمت ستنتشر هذه الظاهرة في المجتمع كالفيروس وتصيبه بأمراض أشد فتكًا من الأمراض العضوية التي تصيب البشر. فمتى قمنا بمواجهتها، ومعالجتها، وتصحيحها سنسير بالاتجاه الصحيح.
باحثة وكاتبة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة