كان الوفد عند نشأته قبل عامين بعد المائة نموذجًا لالتقاء الأفذاذ والنابهين.. سعد زغلول، مؤسس الحزب وزعيمه الأول اختير مستشارًا بمحكمة الاستئناف سنة 1892 فكان أول محامٍ يتولى وظيفة القضاء في مصر رغم أنه لم يكن يحمل مؤهلًا فى القانون.
ورغم ذلك كانت أحكامه تمثل مرجعًا قانونيًا مهمًا للمحاكم بما تتضمنه من مبادئ قانونية مهمة.. وقد حدث أن عايره أحد المستشارين الأجانب بأنه لا يحمل مؤهلًا في القانون فثارت حميته وأقبل على دراسة القانون خلال إجازته الصيفية في فرنسا حتى ينال شهادة الليسانس من جامعة باريس سنة 1898 .
وظل قاضيًا بارعًا حتى عين وزيرًا للمعارف عام 1906 وفي وزارة المعارف يصطدم سعد زغلول بـ «دانلوب» مستشار الوزارة العتيد ودخل معه في مواجهة بسبب سعى سعد زغلول لتمصير التعليم وتصميمه على إيفاد بعثات علمية إلى جامعات أوروبا، حيث قام برسم سياسات وطنية مصرية خالصة لوزارته تعارضت مع سياسة الاحتلال.
وعندما تم اختياره وزيرًا للحقانية في عام 1908. يستقيل منها احتجاجًا على تصرفات مشبوهة للخديو عباس كان قد أجراها في إدارة وقف من الأوقاف وأبى ضميره أن يسكت عليها.. ليعلن سعد زغلول تفرغه للقضية الوطنية ويسعى مع عدد من الشخصيات الوطنية المخلصة حتى تنفجر الثورة ويقودها سعد زغلول بكفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف.
كان سعد زغلول دليلًا للثوار وأبًا روحيًا لهم. أو كما قال عنه غاندي الزعيم الهندي العظيم «سعد زغلول معلمي».. فقد كان سعد قائدًا لحركة شعبية طاغية في مطلع عصر التنوير الذي فجرته الثورة وكان زعيمًا متسامحًا مع الآخر..وراعيًا رسميًا لمبدأ الوحدة الوطنية فكان دائمًا هو «نازع فتيل الفتنة».
أبدًا.. لم يكن سعد مجرد رجل اختاره الناس زعيمًا.. ولكنه صانع ثورة منظمة تطلب الاستقلال.
تعالوا نقرأ ما كتبه المؤرخون عن ثورة 19 التي كانت تديرها أربع طبقات من القيادات القوية التي وضعت أمامها هدفًا واحدًا اسمه الثورة.. وحققته.. مصطفى أمين قال في كتابه عن الثورة الأم. إن سعد زغلول ترك ورقة كتب فيها «إذا اعتقلت الطبقة الأولى من قيادات الثورة. تقوم الطبقة الثانية فإذا اعتقلت تقوم الثالثة وإذا اعتقلت تقوم الرابعة «وهذا يعنى أن سعد زغلول كان يخشى من القضاء على الثورة باعتقال قياداتها أو بنشر الفوضى التي قد لا تجد من يتحكم فيها فوضع أربع طبقات من القيادات.
وكان دور هذه الطبقات واضحًا عندما ثار الشعب للمرة الثانية عام 1921.. فقد تم اعتقال أعضاء الطبقة الأولى والتي كانت تضم سعد زغلول ومصطفى النحاس وسينوت حنا وفتح الله بركات وعاطف بركات ومكرم عبيد» لاحظ أنهم أربعة مسلمين واثنان من الأقباط، فقد تم اعتقال هذه الطبقة فاندلعت الثورة في جميع أنحاء البلاد.. فظهرت الطبقة الثانية وكانت تضم :مرقص حنا وحمد الباسل ومراد الشريعى وعلوي الجزار وانضم لهم ببرقية من جنيف على الشمسي وأصدرت بيانًا دعت فيه إلى مقاطعة الإنجليز. فتم القبض على أعضاء هذه الطبقة وصدر في حقهم حكم بالإعدام.. فظهرت الطبقة الثالثة والتي ضمت: المصري السعدي ومصطفى القاياتى وسلامة ميخائيل ومحمد نجيب الغرابلي وراغب اسكندر وفخري عبد النور ومحمود حلمي إسماعيل فتم تحويلها للمحاكمة بتهمة التآمر على نظام الحكم.. فتظهر الطبقة الرابعة وتتكون من: حسن حسيب وحسين هلال وعطا عفيفى وعبدالحليم البيلى ومصطفى بكير وإبراهيم راتب.
إذن كانت ثورة تنظر للأمام.. تريد الحفاظ على نفسها.. وقد فعلتها.. فصنعت مرحلة ليبرالية أفرزت أبرز رواد الفكر والأدب والفن والاقتصاد والسياسة.. مرحلة شهدت نبوغ الفنان المثال مختار وأم كلثوم وعبدالوهاب ونجيب الريحاني.
وعرفت طه حسين والعقاد.. وشهدت اقتصادًا وطنيًا من رموزه طلعت حرب وعبود باشا..فكان الوطن قائمًا وقادرًا رغم الاحتلال. وتمكن من التقدم للأمام علميًا بجامعة أهلية شارك في فكرة تأسيسها سعد زغلول مع الإمام محمد عبده.. فقد كان سعد زغلول يعرف أن العلم هو الشعلة التي تنير الطريق للوطن وأن أبناءه المتعلمين، هم ثروته الحقيقية.!
سيبقى الوفد حزبًا معبرًا عن أمة تستحق أن تعيش وبلدًا يجب أن يكون في المقدمة!
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية