فقدت الصحافة والحركة النقابية المصرية والعربية واحدًا من أبرز روادها.. وشيخا من شيوخها، بل علمًا من أعلامها.. فقدنا الأستاذ والنقيب مكرم محمد أحمد، أحد الرموز الحقيقية للمهنة السامية.. وواحدًا من الذين لم يتخلوا عن مبادئهم في الدفاع عن الوطن وعن المهنة وعن حريتها.
فهذا الرجل كان صلبًا قويًا كالصخر في مواقفه النقابية لم يهادن أو يتراجع عن موقف اتخذه طالما كان من اجل مصلحة المهنة ومن اجل وطنه مصر.. وله مواقف شهدتها شخصيا.
فهو الكاتب الوحيد الذي تعرض لمحاولة اغتيال في القضية المعروفة إعلاميًا «الناجون من النار».. وكان هدفا لجماعات الإرهاب بسبب آرائه القوية في مواجهتهم.. وهو من بادر بالقيام بمجموعة من الحوارات مع أعضاء الجماعات الاسلامية المسجونين فيما سمى بالمراجعات الفكرية للجماعة الاسلامية ونتج عنها اعلان هذه الجماعة نبذها للعنف والدخول في حوار مع الحكومة في عهد الرئيس مبارك.. كما أسفرت عن الإفراج عن عدد كبير من قيادات هذه الجماعة.
مكرم لم يتخل عن موقفه من رفض العنف لذا كان هدفا لجماعة الاخوان وخاصة الزملاء الصحفيين من اتباعها ومن الذين حاولوا التسلق على أكتاف الجماعة وقاموا بتملقها.. لكن الرجل صمد في مواجهة هذه الهجمة ودعم الدولة المدنية الوطنية ودعم ثورة 30 يونيو بقوة.
فقد اقتربت من النقيب مكرم محمد أحمد كما كنت اناديه في عام 1989 عندما اعتصمنا في مقر النقابة لمدة شهر تقريبا بسبب عدم صرف بدل التدريب والتكنولوجيا الذي احضره في حملته الانتخابية.. وتم صرفه للصحف الحكومية وتم تجاهل الصحف الحزبية.. وكانت تدور حوارات بين المعتصمين والنقيب واعضاء المجلس وكنا مصرين ان يصرف البدل لجميع الصحفيين ومن هذه الازمة توطدت العلاقة مع النقيب.
لم يكن الفقيد الكبير نقابيا عاديا لكنه كان يتمتع بقدرة على الحركة فلم يصل مسامعه أن هناك زميلا في مأزق وإلا تحرك فورًا حتى يتم اخراجه من مأزقه وشهدت النقابة على يديه أعمالا كبيرة خاصة في ثنائية نافع.. مكرم والمقصود بها تبادل المنصب بين الفقيدين الكبيرين ابراهيم نافع ومكرم محمد أحمد.. وكل منهما كان يستكمل عمل الثاني رغم محاولات الوقيعة بينهما.
ساند مكرم محمد حرية الصحافة في معركة القانون 93 لسنة 95 رغم انه لم يكن نقيبا للصحفيين لكنه ساند المجلس ولعب دورا في اقناع السلطة في مصر ان تقييد حرية الصحافة هو الخطر الحقيقي على الدولة ومؤسساتها وأن حماية المسئولين من النقد يحولهم إلى أنصاف آلهة كل في موقعه.. وتتحول مؤسسات الدولة الى عزب خاصة لهم.. وكان حريصا على المشاركة في كل اجتماعات الجمعية العمومية للنقابة التي استمرت عاما كاملا حتى تم الغاء القانون المشبوه.
وعندما تولى رئاسة المجلس الاعلى للإعلام كان حريصا على تفعيل مواثيق الشرف والاكواد الاخلاقية وان تكون المحاسبة التأديبية هي الأساس بعيدا عن المحاسبة الجنائية وأصدر المجلس في عهده سلسلة من الأكواد الأخلاقية وكانت أمنيته التي لم تتحقق بعد هو اصدار قانون لحرية تداول المعلومات يضمن التدفق الحر لها.
رحم الله النقيب مكرم محمد أحمد وألهم الاسرة الصحفية المصرية، والعربية، وأسرته الصبر، والسلوان.. وندعو الله ان يدخله فسيح جناته.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية