كان بالأمس القريب على خريطة العالم دولة عظمى اسمها الاتحاد السوفيتي تفككت وخرج منها جمهوريات كثيرة. منها جورجيا و أرمينيا و أذربيجان وأوكرانيا ولاتفيا وكازاخستان ليتوانيا وطاجيكستان وغيرها. وبدون حروب ولا طلقة رصاص واحدة داخل الاتحاد السوفيتي.
كما كنا نري على الخريطة دولة اسمها يوغوسلافيا تفككت وخرج منها جمهوريات متعددة. منها البوسنة و الهرسك و صربيا و كرواتيا و الجبل الأسود و غيرها. ولكن هذا التفكك كان نتاج لحروب أهلية دامية استمرت عدة سنوات هلك فيها الحرث والنسل و البشر و الحجر .
كل الخبراء بالشأن الإفريقي يعلمون مكونات الدولة الإثيوبية وأنها عرقيات متناحرة تعتمد على الحروب و الدم و بمراجعة تاريخ الحروب خلال المائة عام الأخيرة نجد أن إثيوبيا قد دخلت في حروب أهلية متعددة أهمها التي استمرت منذ 1974 و حتي 1991 وسقط فيها أكثر من مليون و أربعمائة ألف قتيل. كما أن إثيوبيا قاتلت كل الدول المجاورة لها أو دخلت معها في صراع. أو احتلت أجزاء من أرضها أو بنت السدود فمنعت عنها الماء فشردت أهلها. وهي دولة لا تحترم معاهدات ولا مواثيق ولا اتفاقيات. بل هي تتخذ مواقفها طبقا لأطماعها و هي تظن أنها تستطيع تفكيك مصر و تشريد أهلها من خلال منع جريان نهر النيل و هذه حقيقة على أرض الواقع لو سيطرت إثيوبيا على مجري النهر.
ولكن هذا الافتراض يجد ثلاث عقبات لا تستطيع عصابة إثيوبيا عبورها. أولها هي قوة الجيش المصري الذي يمتلك عقيدة قتالية و إيمان راسخ ومعدات وتكنولوجيا عسكرية حديثة. وثانيا قدرات المخابرات العامة المصرية التي لطالما ساعدت أفريقيا من قبل على التحرر من الاستعمار وأزالت ملوك ورؤساء من على عروشها. وثالثا شعب يختلف في كل شئ إلا إيمانه بحق مصر في مياه نهر النيل ويتجمع في وقت الشدة ولا يتفرق. بل يخرج منه طاقات لم تكن في الحسبان.
ولعل مشهد الجندي المصري الذي كان يصعد السد الترابي أمام خط بارليف في ظهيرة شهر رمضان. ويحمل مدفعا كاملا على ظهره ليس من مشاهد الخيال العلمي. ولكنه كان مشهدا حقيقيا يدرس في المعاهد و الكليات العسكرية كنموذج لأداء الفرد المقاتل المؤمن بقضيته في الدفاع عن أرضه أو نهر النيل شريان حياته .
هناك تحالف لثلاث عرقيات يلوح في الأفق في إثيوبيا التيجراي والأورميو و بنى شنقول. يحتاج لكل أنواع المساعدات الدبلوماسية والعسكرية والإعلامية والدعم والمساندة بكل الوسائل. ولعل الهزيمة المذلة للجيش الفيدرالي الإثيوبي وحليفه الأريتري أمام جيش أقليم التيجراي تكون بداية قوية لهذا التحالف الذي يتفق في الهدف وهو التحرر من قبضة عرقية الأمهرة التي تحكم إثيوبيا من خلال السفاح آبي أحمد.
ويمتلك هذا التحالف مقومات الانتصار و التحرر فعرقية الأورميو وحدها أربعين مليون نسمة أغلبها مسلمين. كما أن التيجراي ستة ملايين و كانوا يحكمون البلاد قبل أن ينقلب عليهم آبى أحمد. و يتحالف مع الأمهرة وإريتريا ضدهم. كما أن أقليم بني شنقول الذي بني عليه سد الموت الإثيوبي. مازالت العادات والتقاليد واللغة عربية سودانية وعدد سكانه يزيد عن المليون نسمة. ومن الممكن أن يقوموا هم بتدمير السد الذي يهدد السودان بالغرق أو العطش أو الوقوع تحت سيطرة الأحباش لو تم الملء الثاني. كما أن هذه العرقيات الثلاثة تعلم ماذا فعل الجيش الفيدرالي الإثيوبي وحليفه الإريتري بأهالي أقليم التيجراي من قتل وسلب ونهب وأغتصاب للنساء وتجويع عندما تمكنوا من الانتصار على التيجراي في البداية. ولذلك فهي تحتاج لهذا التحالف لو تم للإحساس بالأمان من أنها ليست وحدها في مواجهة آبى أحمد وعصابته .
على مصر أن تقوم بواجبها وتذهب إلى مجلس الأمن الذي لا فائدة منه وتوضح الصورة أمام العالم بكل مؤسساته. ولكن الأمر الواقع والقوة تفرض نفسها و لو كان مجلس الأمن له فائدة لكانت فلسطين أخذت حقها ولم يستمر الاحتلال الصهيوني لها حتى الآن. ولكن إثيوبيا وجب عليها أن تنضم إلى مصير الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا بالحرب أو بدونها .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية