الكثير من الحوامل يشغلهن هواجس حادة ترفع مؤشر القلق على صحة وسلامة الجنين، وهو ما دفعهن إلى تحصين عزلتهن في المنزل بكافة إجراءات الوقاية والتباعد الجسدي عن المخالطين والمحيطين. فهذه رقية محمد، مواطنة إماراتية 35 عاماً، حامل في الشهر الثامن، قررت أن تقطع اتصالاتها مع العالم الخارجي، ملتزمة منزلها، يحاصرها القلق اليومي بين 4 حيطان من مقابلة أي زائر أو استلام طلبية ديليفري من عتبة الباب أو الخروج إلى السوبرماركت لقضاء حوائجها.
واعتبرت حوامل تواصلت “العربية.نت” معهن عن بُعد، أن خطة الحمل في هذا التوقيت لم تكن في حسبانهن، باتت تخيم على أذهانهن هواجس كثيرة، ومخاوف تشعل بالهن طوال الوقت، تمثل بحسبهن “تحدياً نفسياً”، حيث أصبح الفيروس يشكل “تهديداً” لحياتهن، ويخشين من التقاط العدوى وانتقالها إلى الجنين، خاصة مع المتحور الجديد “دلتا”، وترعبهن فكرة أن يأتيهن المخاض في وقت لا تكون المستشفيات مهيأة لاستقبال مرضى الطوارئ، ويعتقدن أنهن سيعانين كثيراً عند الإنجاب خاصة حين لا يسمح لهن باصطحاب مرافق يدعمهن عند لحظة الولادة، ويخالجهن قلق شديد أن يتم عزل الجنين حال شعرن بأي تعب صحي أو حتى أعراض انفلونزا عادية ما قد يضطر الأطباء لحرمانهن من فرصة الاطمئنان على المولود وإرضاعه طبيعياً.
وتلك أبرز علامات الاستفهام التي تؤذي نفسية المرأة الحامل في زمن كورونا، مما يفقدهن رفاهية الاحتفال بقدوم المولود الجديد، ويجهض فرحتهن في استكمال طقوس استقباله، تماماً حسبما تقول د. عائشة عبدالمطلب، طبيبة نساء وتوليد، مؤكدة أن مناعة المرأة تضعف قليلاً في فترة الحمل مما يؤثر سلباً على سلامة الجنين، لذلك فإن احتمالية إصابتها بالفيروس تتسبب بخطر كبير على سلامة جنينها، ويمكن أن تنتقل إليه العدوى، وهو ما يثير لديها مخاوف تعكر صفوها، تجدها تعيش كل يوم على أعصابها، وتظل حذرة للغاية من “شبح الملامسة” و”كوابيس الاختلاط” بأي شخص.
وأضافت د. عائشة: “في خضم هذه التوجسات تخسر الكثير من مقومات الحياة، وتفقد شهيتها للطعام، عوضاً عن عجزها عن توفير ما تشتهيه من أطعمة وأكلات، وتواجه معاناة وسط ظروف منزلية وضغوطات أسرية نتيجة تواجد جميع أفراد العائلة تحت سقف واحد، فتحاول توزيع جهدها وتركيزها في تأمين احتياجاتهم وتلبية متطلباتهم من طبخ وتنظيف وتعقيم ومساعدة الأبناء على شاشات التعليم عن بُعد، من دون أن تغفل متطلبات الزوج”.
سؤال ردت عليه د. ظلال بوادقجي، أخصائية نسائية وتوليد، فقالت إن الإحصائيات الطبية لم تؤكد حتى اليوم ما إذا كانت المرأة الحامل معرضة للإصابة بعدوى كورونا أكثر من غيرها، فلا تزال الدراسات قائمة حول تقييم خطورة وتأثير الأعراض عليها ومدى قدرتها على التعافي في حال إصابتها بالفيروس، وفيما يرتبط بقوة المناعة فإن المعطيات الطبية الحالية تفيد أن معدلات الخطر تقل بشكل واضح لدى الأشخاص الأصغر سناً، وهذا يرجح أن النساء الحوامل أقل خطورة بكثير من غيرهن بسبب أن المعدل العمري للحوامل هو بين 18 و38 عاماً. ولفتت إلى أن سلامة الجنين في “مأمن تام” حيث لم تثبت الدراسات أن انتقال الفيروس قد يتم عن طريق الدم أو المشيمة، كما أن الأطفال المولودين لسيدات مصابات لم يصابوا إلا بعد الولادة.
وتحث د. ظلال السيدات الحوامل بتقوية وتعزيز جهازها المناعي عن طريق التغذية الصحية المتوازنة، خاصة في الأشهر الأولى مع التركيز على تناول فيتامين C، وضرورة تقليل زياراتهن للطبيب والاكتفاء بـ 4 زيارات فقط خلال مدة الحمل، وتابعت: “لا توجد حالات مثبتة لتشوهات الجنين في حال إصابتها بالفيروس، أما المصابات على وشك الولادة، فلا داعي للتفكير بإنهاء الحمل عن طريق اللجوء لعملية قيصرية، ذلك أن الجنين لن يلتقط العدوى بكل الأحوال، ولن تنتقل إليه عبر الدم، ولكن الأطباء قد يلجأون لإنهاء حملها بعملية قيصرية في حالات وجود الالتهاب الرئوي لتخفيف الأعراض عنها وتسريع عملية الشفاء، وبعد ولادة سيدة مصابة يفضل إبعادها عن الطفل مدة أسبوعين للتأكد من شفائها”.
وطمأنت د. عواطف البحر، استشارية ومديرة مركز طبي للإخصاب تابع لمستشفى الجامعة بإمارة الشارقة، الحوامل بالقول إنه لا يبدو أن النساء الحوامل في خطر متزايد للإصابة بالفيروس، وذلك استناداً إلى “عدد محدود” من حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19، أما التعرض للفيروس خلال الثلث الأول من الحمل، فلا يوجد “دليل واضح” لحدوث الإجهاض في الثلث الأول من الحمل، فالإحصائيات المتوفرة “محدودة ولكنها مطمئنة”، بشرط أن تكون الحرارة دون 38.5.
وأوضحت: “لا يوجد دليل على أن الإصابة بكوفيد 19، يمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين أثناء الحمل، وقد لوحظ في الثلث الأخير من الحمل “زيادة طفيفة” في خطر الولادة المبكرة”.
بخصوص الرضاعة الطبيعية، فلا يجب فصل النساء المرضعات، بحسب د. عواطف، عن أطفالهن حديثي الولادة حيث لا يوجد “دليل حتى الآن” يثبت أن فيروسات الجهاز التنفسي يمكن أن تنتقل عن طريق حليب الثدي، بحسب منظمة الـ”يونسيف”، لذلك يمكن للمرأة أن تستمر في الرضاعة الطبيعية، طالما يتم أخذ الاحتياطات اللازمة.
وتقدم د. عواطف “روشتة” وقائية لتجنب انتقال العدوى للمرأة الحامل، وتجنب الاختلاط مع أي شخص مصاب بأي عدوى فيروسية مثل نزلات البرد والأنفلونزا، وأشارت إلى أن تناول الأطعمة الصحية يساهم في زيادة المناعة مثل الخضراوات والحمضيات والثوم والمكسرات والبيض واللحوم بأنواعها، فمن شأن هذه الأطعمة إمداد المرأة الحامل بالأحماض الأمينية والفيتامينات المهمة مثل “B12,C,D, B6, A”.
هذا إضافة إلى العديد من المعادن المهمة التي تساهم في تقوية الجسم، مشددةً على تجنب تناول الألبان غير المبسترة، وعلى ضرورة عمل فحص الحالة المناعية قبل الحمل للتأكد من عدم وجود الإصابات الفيروسية الشائعة، مثل الحصبة الألمانية والحصبة وشلل الأطفال، والابتعاد عن تناول الوجبات السريعة لما لها من ضرر خلال فترة الحمل بسبب احتوائها على قدر كبير من الدهون والزيوت المشبعة التي ترفع ضغط الدم والالتهابات في الجسم.
وبدورها قالت د. إيمان العماري، استشارية نفسية، إن مؤشر التوتر لدى المرأة الحامل أعلى من غيرها، حيث تزيد نوبات الهلع لديها بسبب خوفها على صحتها وعلى سلامة جنينها، مشيرة إلى أنها تركز في منهجيتها للتعامل مع النساء الحوامل، من خلال تجنيد الزوج بكونه داعما معنويا مضادا للقلق، وتواجده الدائم مبعث أمان حقيقي، إلى جانب تجنيبها أخبار المصابين وأعداد الوفيات وإحاطتها بالرعاية وسط بيئة مريحة مشحونة بأجندات تسلية ونشاطات ترفيه، لإشغال نفسية المرأة الحامل لإكسابها قوة مناعة عالية.
ارتفاع حالات القلق لدى المرأة الحامل يضعف مناعتها، لهذا تنصح العماري بضرورة الاستثمار في تبصير وتنوير العقل بكونه المتحكم في ردود أفعال البشر، وله تأثير كبير على جهاز المناعة، ومحاولة تهيئة بيئة صحية لا تطالها مصادر التوتر وبواعث القلق، إلى جانب محاولة التعامل مع الضغوطات في الحياة.
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية