كم لحظة عشناها؟ وكم لحظة سوف نعيشها؟ وهل كل لحظة عشناها أتت بثمارها؟ أسئلة من فصيلة السهل المتتنع، فعلي الرغم من أن قطار العمر يمضي سريعا. بين انتظار لحظة أو مرور لحظة أو تابعات تلك اللحظة. إلا أنه يضم العديد من اللحظات الفارقة في حياتنا. ولاشك أن من يستطيع أن يدرك السلام النفسي لا يتأثر بالمرور الزمني للحظات؛ فاللحظات الفارقة في حياة الإنسان كثيرا؛ تتنوع باختلاف الثقافة وتختلف بتنوع الأولويات.
فنحن الآن على مقربة من لحظة إعلان نتيجة تنسيق الثانوية العامة المرحلة الأولى لهذا العام. فخلال ساعات سنجد التهنئات تنهال على صفحات التواصل الاجتماعي بين الأهل والأصدقاء. وتبدأ صفحات الجرائد وأثير الراديو وبرامج التليفزيون بالتركيز على ردود أفعال الطلاب وأولياء الأمور. عقب إعلان النتيجة بل وستمتد الاستفاضة إلى التعريف بالكليات والأقسام العلمية والبرامج الدراسية المختلفة. لتكون بمثابة لحظات فارقة للطالب قبل الالتحاق الفعلي للكلية وتحديد مستقبله.
لحظات فارقة لمهمة ثقيلة رؤيتها تغيير ثقافة الطلاب نحو الالتحاق بالكلية المناسبة لمهاراتهم. حتى لا تضيع سنوات من عمر الطلاب لندمهم على عدم التحاقهم بكلية من « كليات القمة».
فمصطلح «كليات القمة» تمت صياغته بناءا على ثقافة المجتمع في الفترة المعاصرة، فكتير من الآباء يراودهم حلم طويل بالتحاق أولادهم «بكليات القمة» ليصبحوا أطباء ومهندسين، فهذا يعتبر حلم مشروع لكل من لديه المهارات اللازمة للالتحاق بتلك الكليات، فعندما تتناسب مهارات الطالب مع المتطلبات الرئيسية للكلية يصبح الطالب أكثر إبداعا وابتكار وتفوقا وصالحا لخدمة المجتمع والمشاركة في نهضة الوطن. ولكن أن يتم التأثير سلبا بإلزام الأبناء للالتحاق بتلك الكليات هنا تكمن المشكلة.
ولعلنا ندري، أن الجامعة المصرية ضمت أربعة كليات هم الطب والعلوم والحقوق والآداب، والتي تتميز بالتنوع فكان الغرض منها استغلال العلم للنهوض بالبلاد في شتى مناحي الحياة، وأن تكون الجامعة منارة للفكر وأساسا للنهضة العلمية وجسرا يصل البلاد بمنابع العلم الحديث، فمن خلال الجامعة ينصهر كافة التخصصات لتصبح بوتقة للكوادر اللازمة، لمشاركة العالم في تقدمه العلمي، بالإضافة إلى التطور الذي يشهده عصرنا اليوم، يصاحب له تطورا ملحوظا لسوق العمل، فتظهر وظائف جديدة لم تكن موجودة مسبقًا، وتختفي أخرى، فيستلزم ذلك تنمية مهارات الطلاب في كافة التخصصات ليكونوا مؤهلين للالتحاق بوظائف المستقبل والتي من بينها الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة البديلة والقانون الدولي والتسويق والتحليل المالي.
ولاشك أن الاهتمام بالتعليم كان على رأس أولويات الدولة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، ليصبح العصر الذهبي للاهتمام بالمنظومة التعليمية وخاصة محور بناء الإنسان المصري، وقد حرصت كافة الجهات المعنية على تنفيذ استراتيجية الدولة المصرية عبر خطط تنفيذية متنوعة من بينها تصميم وبناء نظام تعليمي وطني يعمل على بناء وتخريج أجيال قادرة على المشاركة في نهضة هذا الوطن العظيم، وتدشين العناصر الأساسية لبناء الشخصية المصرية وإبراز هويتها الحقيقية والمتميزة، بالإضافة إلى إبرام العديد من الشراكات والتوأمات مع الجامعات العالمية المرموقة، لتخريج أجيال وفق معايير محكمة دولياً، فهناك العديد من الأفكار الريادية لتحقيق أبعاد ومفاهيم جودة العملية التعليمية تسعى القيادة المصرية للمضي قدما نحو تحقيقها وتعزيزها.
حيث قامت وزارة التربية والتعليم بوضع وتنفيذ رؤية متكاملة جديدة تتمحور حول تصميم وبناء نظام تعليم مصري جديد، وذلك في إطار تطوير التعليم ليواكب القرن الحادى والعشرين بدءا من مرحلة رياض الأطفال، وكذلك تبنى رؤية للتغيير في المرحلة الثانوية تستهدف تغيير ثقافة الحفظ والتلقين إلى الفهم والابتكار والانتقال من الكم المعرفي إلى الفهم العميق، ومن التلقين إلى التعلم النشط، حيث تمت زيادة عدد الفصول والمعامل الدراسية في مراحل التعليم الأساسي المختلفة، وتم تخريج المعلمين من برنامج «المعلمون أولا»، بالإضافة إلى دخول مدارس جديدة إلى منظومة المدارس المصرية اليابانية.
وفيما يخص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فقد تم إنشاء جامعات حكومية وخاصة جديدة على مدار السنوات السابقة، ليرتفع عدد الكليات المنشاة لخدمة العملية التعليمية مع العمل على الربط بين العملية التعليمية وسوق العمل والعمل على التركيز على تخريج طلاب قادرين على المنافسة والعمل في وظائف المستقبل؛ ولعلنا نستشهد بجائزة نوبل والتي تعتبر من الجوائز الدولية السنوية والتي تمنح في عدة فئات تقديراً للإنجازات الأكاديمية أو الثقافية أو العلمية وليس فقط مقتصرة على كليات القمة. كما أن نجيب محفوظ وطه حسين وفاروق الباز وأحمد زويل ومحمد صلاح والعديد من الأسماء المصرية البارزة لم يكونوا خريجى كليات القمة.
ففي تلك اللحظات الفارقة لنتيجة تنسيق الثانوية العامة المرحلة الأولى لهذا العام. يجب توعية الطلاب بضرورة تنمية مهاراتهم العلمية والعملية بما يتناسب مع التطور التكنولوجي الحادث. بغض النظر عن الكلية التي سيلتحق بها، فالمستقبل لم ولن يقف بعدم دخول «كليات القمة». وليتنا جميعا نرفع من ثقافتنا مصطلح «كليات القمة»
عضو هيئة تدريس بعلوم القاهرة
Abdelfattahemanalaaeldin@gmail.com
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية