“باتت مصر.. بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة ؛ ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. هذا القرار الذي كان الشعب المصري هو صانعه الحقيقي على مدار السنوات الماضية بمشاركته الصادقة المخلصة في كافة جهود التنمية والبناء”. بهذه الكلمات أعلن الرئيس السيسي نهاية حالة الطوارئ في مصر. وما يستتبع ذلك من إلغاء العمل بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 وتعديلاته وآخرها قانون 22 لسنة 2020.
إلغاء حالة الطوارئ التي استمرت لما يقرب من 65 عاماً؛ إذ فرضت “حالة الطوارئ ” للمرة الأولى مع بدء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، والذي شنته القوات البريطانية والإسرائيلية والفرنسية، عقابا لمصر بعد تأميم قناة السويس التي كانت تديرها بريطانيا، ليأتي قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي ليلغي حالة الطوارئ في عموم مصر أكتوبر 2021. وهو ما يحمل دلالات عدة:
الدلالة الأولى سياسية تتمثل في: التأكيد على رسالة الاستقرار للداخل والخارج وسط إقليم مضطرب يموج بالتوترات؛ وليس من قبيل المصادفة أن يعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ صباحاً، ويُعلن الرئيس السيسي إلغاؤها في مصر مساءً، في رسالة ودلالة ذات عمق كبير تشير بجلاء إلى الخطوات الكبيرة والثابتة نحو إرساء دعائم الجمهورية الجديدة، جمهورية ليست قائمة على المباني والبنية التحتية الجديدة فقط؛ لكنها تستند إلى سيادة القانون وتُعلي من مبدأ الفصل بين السلطات.
الدلالة الثانية اقتصادية: حيث القرار رسالة للمستثمرين الأجانب ومجتمع الأعمال العربي والعالمي. عن مدى حالة الاستقرار التي تشهدها مصر، ما سيكون دافعاً فاعلاً لزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية وانتعاش السياحة. وهو ما انعكس سريعاً على سوق المال المصري. حيث ربح رأس المال السوقي 12.6 مليار جنيه ليصل إلى مستوى 754.606 مليار جنيه، متأثرة بقرار إلغاء حالة الطوارئ. وذلك بعد مرور ساعتين فقط من فتح باب التداول.
الدلالة الثالثة اجتماعية: إذ تخطو مصر بذلك القرار خطوات كبيرة في سبيل تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي تتضمن المحاور الرئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في الدولة، بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030. فمع إلغاء حالة الطوارئ يتم إحالة عدد من الجرائم من محاكم أمن الدولة طوارئ إلى القاضي الطبيعي في محاكم الجنح والجنايات. والتي منها؛ الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية. جرائم التموين، وجرائم مخالفات البناء، وغيرها بما يفتح المجال العام وتنوع الآراء على النحو. الذي يفتح الباب أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. لممارسة العمل السياسي حتى المعارض منه بطريقة تتماشى مع القانون والأعراف المؤسسية وتكريسها في اطار بنية سياسية وديمقراطية مسئولة ومنضبطة.
الدلالة الرابعة أمنية: فقرار إلغاء العمل بالطوارئ في عموم مصر بما في ذلك كامل سيناء؛ رسالة تأكيد على مدى نجاح الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية في الحرب على الإرهاب. ويعكس مدى ما وصلت إليه البلاد من حالة استقرار ويضع أيضا مصر في مصاف الدول المستقرة أمنيا. التي لا تحتاج لقانون طوارئ، وأن الأجهزة الأمنية باتت قادرة؛ ليس فقط على الحماية والمواجهة. لكن أيضاً على الاستباق والوقاية من كل ما يهدد أمن الوطن والمواطن.
لذلك يعتبر إلغاء مد حالة الطوارئ في البلاد. بعد سنوات عديدة من استمرارها، خطوة هامة في الطريق نحو الجمهورية الجديدة. وتفعيل المادة ٢٤٨ من الدستور الخاصة بتطوير النظام السياسي وتوسيع النطاق الديمقراطي للدولة. على النحو الذي سوف يعمل على بروز ظواهر جديدة وعلاقات سياسية واجتماعية جديدة بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة.
ومنذ تدشين مصطلح “الجمهورية الجديدة” في مارس 2021. وإعلان الرئيس في ثلاث أحداث متتالية – أخرها كان في مؤتمَر إطلاق المشروع القومي حياة كريمة في 15 يوليو 2021 – عن ميلاد الجمهورية الجديدة. تواصل القيادة السياسية التأكيد على رسالة إلى المواطنين مفادها أنّ مرحلة جديدة بدأت منذ يونيو 2013 وهي مستمرّة. مرحلة ليست قائمة على المباني والجدران فقط، لكنها في الأساس عمادها المواطن والانسان.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية t – F