بقلم – شريف درويش اللبان
كانت لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى زيارتيْه الأخيرتيْن للهند والصين تعكس مدى الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية فى مصر، حيث استهل الرئيس نشاطه فى الصين باستقبال كريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي، وتناول اللقاء الاتفاق المبدئى الذى تم التوصل إليه بين مصر وصندوق النقد الدولى لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذى سيتم عرضه على مجلس إدارة الصندوق قريبًا لإقراره.
وعلى العكس تمامًا مما يروجه المرجفون فى المدينة عن أحوالِ الاقتصاد المصري، فقد أشادت كريستين لاجارد بالجهد الذى تقوم به الحكومة المصرية لتطوير الاقتصاد والنهوض به، من خلال تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية اللازمة سعيًا للتغلب على التحديات أمام دفع الاقتصاد المصرى قُدمًا، وتقليل البطالة وحجم الدين العام، مؤكدةً دعم صندوق النقد الدولى بقوة لجهود الإصلاح الاقتصادى التى تبذلها مصر.
ولم تغب قضيتا العدالة الاجتماعية وحماية محدودى الدخل عن بالِ الرئيس فى حديثه مع لاجارد، حيث أكد الرئيس حرص مصر على تحقيق التوازن بين رفع معدلات النمو والاستقرار المالي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بما يضمن حماية محدودى الدخل وشعور المواطن العادى بثمار التنمية والإصلاح، مؤكدًا مواصلة الدولة لجهود تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية خلال المرحلة المقبلة.
كما استعرض الرئيس الجهود التى تقوم بها مصر لتوفير مناخ جاذب للاستثمار، باعتباره وسيلة مهمة لرفع معدلات النمو وتوفير فرص العمل وتقليص الدين العام، فضلًا عن الإصلاحات التشريعية والمؤسسية المتعددة التى تقوم بها الحكومة، كما تم التطرق إلى عدد من الموضوعات المطروحة على جدول أعمال قمة مجموعة العشرين، حيث أكد الرئيس فى هذا الإطار على اهتمام مصر بأن تعكس الجهود الاقتصادية والمالية الدولية تزايد نصيب الدول النامية فى الاقتصاد العالمى وتيسير اندماجها فيه، بما يتيح المجال لاستفادتها، مما يوفره الاقتصاد العالمى من فرص ومزايا، ويساهم فى تحقيق نمو اقتصادى دولى مستدام.
وأعتقد أن هذا كلامٌ جيد يثبت أن للرئيس رؤية متكاملة فيما يتعلق بالاقتصاد المصرى تقوم على ثلاث دعامات مهمة وهى: الإصلاح الاقتصادى من خلال إصلاح البنية التشريعية والمؤسسية والإصلاحات المتعلقة بالسياسة المالية والنقدية وتحسين المناخ العام بما يؤدى إلى تهيئة فرصٍ غير مسبوقة للاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وعدم تضرر محدودى الدخل والفقراء من خطط الإصلاح الاقتصادى من خلال بسط شبكة للحماية الاجتماعية تؤدى إلى عدم تضرر هذه الفئات بسياسات الإصلاح أو على الأقل يكون تضررها فى الحد الأدنى للغاية، وهو ما يمثل جوهر مسئولية الدول الاجتماعية فى حماية هذه الفئات.
كما استهل الرئيس السيسى مباحثاته فى الهند مع وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج ببحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات التاريخية الوثيقة التى تربط البلدين على جميع الأصعدة، فضلًا عن الاستفادة من الخبرة الهندية فى عدد من المجالات التى حققت بها نيودلهي، تقدمًا تنمويًا ملموسًا، وعلى رأسها تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحديث قطاع المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات وغيرها من المجالات، كما استعرض الرئيس الخطوات التى تتخذها مصر فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية سعيًا لتحقيق تنمية حقيقية من خلال النهوض بالبنية الأساسية وإطلاق عدد من المشروعات القومية وتوفير مناخ جاذب للاستثمار، مشيرًا إلى تطلع مصر لإسهام الشركات الهندية فى هذه المشروعات.
كما عقد الرئيس لقاءً مع أعضاء مجلس الأعمال المصرى الهندي، الذى ضم ممثلين عن عدد من الشركات الهندية والمصرية المتخصصة فى العديد من المجالات، كما استعرض الرئيس الجهود التى بذلتها مصر والنجاح الذى تحقق فى ترسيخ الاستقرار بها عقب ما شهدته من تطورات خلال الأعوام الماضية، مشيرًا إلى تجاوز مصر هذه المرحلة واستعادة هيبة الدولة وتماسك مؤسساتها، فضلًا عن حرص الدولة على ترسيخ قيم الديمقراطية وإعلاء سيادة القانون. وثمَّن السيسى ما قامت به الحكومة من خطوات لمعالجة التحديات الاقتصادية التى كانت قائمة، مثل التغلب على مشكلة توفير الطاقة التى كانت تؤثر بالسلب على تشغيل المصانع. وألقى الضوء على برنامج مصر الشامل للتنمية المستدامة حتى عام ٢٠٣٠، والذى يهدف إلى جذب الاستثمارات.
ودعا الرئيس إلى الاستثمار فى مصر حيث تمثل فرصًا واعدة للاستثمار، ولاقت دعوة الرئيس صدى واسعا لدى المستثمرين الهنود، إذ أعلن عدد منهم خلال الاجتماع عن اعتزامهم زيادة استثماراتهم والتوسع فى مشروعاتهم فى مصر بالنظر إلى ما يقدرونه من آفاق واعدة لمستقبل الاستثمار فى مصر. وعرض الرئيس فرص الاستثمار الواعدة التى توفرها مصر للمستثمرين الهنود، مشيرًا إلى وجود آفاق كبيرة لتعزيز التعاون بين مصر والهند فى إفريقيا، بما يساهم فى تعظيم الاستفادة مما يتمتع به البلدان من وجود بالقارة الإفريقية.
ولم تغب السياحة والتبادل الثقافى عن أجندة الرئيس سواء فى زيارته للهند أو الصين عن لقاءات الرئيس مع رئيس الوزراء الهندى أو مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهو ما يمثل الشغل الشاغل لصناعة السياحة فى مصر، وخاصة مع قرب انطلاق الموسم السياحى الجديد فى شهر أكتوبر القادم.
إن جولات الرئيس عبدالفتاح السيسى الخارجية تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مِصْرَ دائمًا ما تكون فى خاطره ونُصب عينيه فى كل خطوةٍ يخطوها، وفى كل لقاءٍ يعقده، وفى كل تحركٍ يتخذه؛ فصالحُ مصر فى حاضرها ومستقبلها هو همّ الرئيس الأكبر وشُغله الشاغل. وإذا كانت مِصْرُ فى خَاطِر الرئيس، فإنها يجب أن تكون أيضًا فى خاطرنا جميعًا من أجل مستقبلٍ أفضل لمِصْرَ والمصريين.