الحرب هي الحرب في أي زمان ومكان، وما يدور على الأرض الأوكرانية، ما هو إلا تعبير صادق عن توحش الإنسان في كل العصور.. فلا الغرب يريد التوقف عن توسعاته وهيمنته، ولا الشرق وروسيا يريدان الرضوخ وتهديد أمنها القومي.
مايردده العالم المتحضر عن السلام والإنسانية وحقوق الإنسان، مجرد مزاعم وأوهام تأتي في شكل عبارات إنشائية منمقة تغلفها ابتسامات باهتة في المؤتمرات والمنتديات الصحفية والسياسية، وتسوقها الأدوات الإعلامية باحترافية شديدة.
والحقيقة أن العالم كلما ازداد تطورا، ازداد توحشا وليس أدل على ذلك من استخدام العلم والتكنولوجيا في التصنيع الحربي واستحداث الأسلحة الفتاكة، وكما كان الغرب هو أول من استخدم الاستعمار في إفريقيا وآسيا وأمريكا لاستنزاف موارد الدول والشعوب، كان أيضا سباقا في إشعال فتيل الحرب العالمية الأولي، وتقسيم الدول وتحديد مناطق نفوذه، ولم تمر سوى ثلاثة عقود حتى أشعل الغرب من جديد فتيل الحرب العالمية الثانية التي تسببت في إبادة عشرات الملايين وخلفت ملايين المشردين والمصابين، وتركت آثارا اقتصادية واجتماعية صعبة على العالم.
اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية الآن هو تأكيد جديد على توحش العالم المتحضر، واستمراره في سياساته العنصرية والتوسعية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية على جثث واشلاء الآخرين، ولولا الرغبة الجامحة من الغرب في ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي – الناتو- والاتحاد الأوروبي ما وقعت هذه الحرب..
وأيضا لولا الطموح الروسي في استعادة أمجاده وترسيخ نفوذه في أوكرانيا ما وقعت هذه الحرب.. ومن الطبيعي أن يكون الشعب الأوكراني هو الضحية لهذا الصراع الدولي، وضعف خبرة رئيسه زيلينسكي العسكرية والسياسية التي أوقعته في فخ الصراع الدولي، وبرغم محاصرة الدبابات الروسية لعاصمة بلاده لم يعِ الدرس حتى الآن لتجنيب بلاده مزيدا من الخسائر، وفقد بنية دولته الأساسية، وهي ضريبة لن يدفعها إلا الشعب الأوكراني بسبب دخول بلدهم في لعبة المصالح الدولية.
عنصرية الغرب هي جزء أصيل من تركيبته النفسية والعقلية، وليس أدل على ذلك من المشاهد الإنسانية ذاتها التي يروجها الغرب لنزوح آلاف الأوكرانيين واستقبالهم في دول أوروبا بترحاب شديد، ومساعدات فورية ونقلهم وتسكينهم بشكل متحضر، وتسارع المنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني التي ترغب في استضافة وإعاشة الأسر الأوكرانية.
وهي بالتأكيد ظاهرة إيجابية إذا كانت لأهداف إنسانية حقيقية، ولكنها للأسف تذكرنا بمشاهد آلاف الأسر السورية والكردية التي رفضت نفس الدول والمنظمات استقبالهم، وعانوا من كل أشكال الذل أمام الاسلاك الشائكة علي حدود هذه الدول وأطلقت عليهم الشرطة قنابل الغاز، وعاشوا لأيام طويلة في العراء بدون مأوي أو طعام.
ورغم أنهم تشردوا وتركوا منازلهم وبلادهم هربا من القصف الأمريكي الغربي، ولم ينالوا شيئا من الإنسانية المزيفة، أو حقوق الإنسان التي يستخدمها الغرب كأهداف سياسية، وهو نفس المنهج والمنطق الذي يتعامل به الغرب مع شتي القضايا الدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية رغم أنها أهم قضية إنسانية في العالم منذ أكثر من نصف قرن، عانى فيها الشعب الفلسطيني من كل أشكال القتل والتشريد والتعذيب.
ومازال يرضخ ويعاني من الاحتلال رغم صدور عشرات القرارات من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تر هذه القرارات النور ولم تعرف التنفيذ، لأن النظام الدولي المتوحش لم يمارس أية ضغوط أو يفرض أية عقوبات على إسرائيل التي يعتبرها جزءًا منه وامتدادا لسياساته، الأمر الذي جعل كثيرًا من الدول باتت تنتظر نظامًا دوليًا جديدًا متعدد الأقطاب يعيد التوازن للبشرية.
حمي الله مصر
نائب رئيس حزب الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية