بقلم – رشا يحيى
يقولون إن هناك حالة من السيولة والإباحية والتبجح وإهدار الكرامة الإنسانية تصيب المجتمعات بعد الثورات.. وهنا نتساءل هل هذا ما يعانيه الشعب المصرى بكل فئاته من تغير فى سلوكياته ليصبح العنف البدنى واللفظى يسود المجتمع حتى من ممتهنى المهن الإنسانية؟!!.. فهناك مثلا فئة الأطباء الذين نلجأ إليهم فى لحظات ضعفنا الإنسانى فنرى الكثيرون منهم تحولوا إلى أشداء على المرضى سواء فى أسعار الكشف الطبى، أو فى معاملة المريض بجفاء، وبتجاهل لمشاعر هذا المريض الذى يتلمس بعض كلمات تطمئنه أو تطمئن أهله.. ولكن يرى العكس من مبالغة فى الغموض وقلة الكلام وتجاهل للكشف أو للتساؤلات التى ربما تكون بدافع القلق أو الوساوس.. وللطبيب دور كبير فى رفع الروح المعنوية للمريض والتى لها دور عظيم فى الشفاء.. وهو ما يجعلنى أتذكر عظماء الطب المصرى أمثال الدكاترة: «إبراهيم بدران» و«حسن وعلى إبراهيم» و«السيد جلال» وغيرهم الكثيرون، وما كانوا يتكبدونه من أجل مرضاهم، والذين كانوا يعالجونهم مجانا فى كثير من الحالات، بل ويعطونهم من عينات الأدوية أو يتكفلون بثمن العلاج.. علاوة على حالة الحنان والتعاطف بلا حدود.. ولكن أن نسمع عن أطباء يرفضون علاج مرضى أو يعنفونهم!!.. أو الأطباء الذين لهم انتماءات إرهابية فيرفضون علاج رجال الأمن!! فماذا حدث ولماذا هذا التغير؟.. فالمفترض أن الطبيب لا يضع أمامه سوى ضميره ورسالته وهو يعالج أى مريض مهما كانت انتماءاته أو توجهاته أو حتى جنسيته!! وبالمثل ملائكة الرحمة من الممرضات اللاتى تغيرن أيضًا وأصبح الكثيرات منهن يتسمن بالعنف مع المرضى!! رغم دورهن المهم والمكمل للأطباء ورعايتهن التى يمكن أن تخفف من آلام مبتلين فى حاجة للرحمة والإنسانية!! ولا ينفرد القطاع الطبى بتغير سلوك الكثير من أبنائه ولكن هناك أيضا المعلمين.. لماذا أصبح رجال ونساء التربية والتعليم بهذا التباعد عن أبنائهم من التلاميذ.. لقد كانت مرحلة التعليم الأولى تعتمد على المدرسات، وكن يتصفن بقمة الحنان والانضباط واكتشاف المهارات الفردية وأيضًا الخلل النفسى أو الصحى، وتحول أغلبهن إلى ممارسة العنف والترهيب على الأطفال لتتحول المدرسة والدراسة إلى ساعات من البؤس تضيق بها نفوس الأطفال وتربى فيهم العقد النفسية، كذلك المدرسون والذين كان أغلبهم يمثلون القدوة للطلاب بقوة الشخصية والحزم الممزوج بالاحترام ليصبح مكملًا لدور البيت فى اكتساب الصفات الحسنة، تحول الكثير منهم إلى قمة القسوة والتى تصل إما إلى عاهات مستديمة أو إلى قمة الضعف والرخاوة والطراوة حتى يعبث الطلاب بكرامتهم!!.. وكانت مهنة التدريس من المهن المفضلة للكثير من الأطفال ولكن من المؤسف لم تعد كذلك.. أيضا الصحفيون لم يعد هناك تبنى أو احتضان إلا فيما ندر!!.. فكم سمعنا عن تبنى الأساتذة «جلال الدين الحمامصي» و«على أمين» و«أحمد بهاء الدين» للأجيال الجديدة، ولكن الآن نرى بعض الصحفيين فى المؤسسات الحكومية يحصلون على الغنائم بسطوة الكلمة.. كذلك الموظفون فى البنوك والمصالح الحكومية بكل الوزارات، بعضهم يهين المواطنين ولا يعبأ بمصالحهم ويستهين بوقتهم ووقوفهم فى الطوابير وهو يتعامل باستعلاء وتأفف.. أيضًا المهن الحرة والسائقون (تاكسى وميكروباص) والكل يعلم كيفية إساءة بعضهم للمواطنين واستخدامهم لأفظع الألفاظ.. حتى من يساعدوننا من شغالات وبوابين يفرضون سيطرتهم ويتمردون كلما زاد احتياجنا لهم.. ولم يخلو المجال الفنى أيضا من تلك الحالة فكم كنا نسمع عن الملحنين ومؤلفى الأغانى وهم يتبنون أصحاب الأصوات الجميلة حتى يصلوا بهم إلى الصف الأول، ولكن ساد التعامل التجارى وتدنى الفن ولم تعد المواهب تجد يدًا تمتد إليها حتى تضيع سدى.. ومثلهم فى مجال التمثيل الذى يعتمد على الشللية والسهرات ويسيئون لمن يشاءون، وأصبحنا نرى فى الإعلام حالات العنف اللفظى ما بين من يفترض أنهم من الصفوة!!.. وقد كنا نسمع عن هذا التدنى فى الفئات البعيدة عن التعلم، ونستاء من سلوكهم ومعاملتهم خاصة لأطفال المهن الذين أطلق عليهم اسم «بلية» وهو النموذج الذى تغتال براءته وهو يهان ويقمع من الأسطى!!.. ولكن للأسف أصبحنا نرى المأساة تحاوطنا من جميع الجوانب، وتصل إلى أن يعبر أحد نواب الشعب فى البرلمان عن خلافه مع موقف نائب آخر بضربه بالحذاء!!.. فإذا لم نلتفت بالعلاج سيكون وبالًا على الأجيال القادمة وعلى ما تبقى من أمتنا فكما قال أحمد شوقى: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».. لذا أتمنى أن يتقدم علماء النفس والاجتماع بعمل وثيقة سلوك تحافظ على الحقوق وتحفظ الكرامة وتكون ملزمة للمجتمع ككل، ويخضع الجميع لدراستها بداية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، وتكون هناك برامج لاستعادة القيم والأخلاق الحميدة كما حثنا الله تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم».. ونستعيد كلمات غابت عنا كالتعاون والتكامل والتراحم والحياء.