الصراع الروسي الأوكراني ليسا صراعا بين دولتين بل هو صراع عالمي.. تلك حقيقة لا جدال فيها.. يتصارع فيها الروس والصين من جهة. والناتو والأمريكان من جهة أخري وكل جبهة منهما تحشد أتباعها من الدول وتستخدم كل إمكانياتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية. بل والرياضية للقضاء على نفوذ الطرف الأخر.
وكل جبهة منهما لها أهداف تختلف عن الأخرى وكل دولة منخرطة داخل الصراع لها أيضا أهداف تختلف عن الدول الأخرى. ويدور الصراع على أرض أوكرانيا التي يدفع شعبها ثمن غباء قادتها الذين وثقوا في الأمريكان. وسلموا أسلحتهم النووية مقابل صك أمان من الأمريكان وحلف الناتو. أثبتت الأيام أنه صك لا قيمة له ولا يسمن ولا يغني من جوع.
وأثبتت الأحداث أن أرض أوكرانيا استخدمت لجر الدب الروسي إلى فخ قد يكون مثل الفخ الأفغاني. الذي تسبب في انهيار الاتحاد السوفيتي. ولكن بوتين الزعيم الروسي الذي يقود روسيا لعصر القوة الذهبي يبدوا وأنه يعلم أين يضع أقدامه فهو قد تحالف اقتصاديا مع التنين الصيني للتغلب على العقوبات الاقتصادية المدمرة التي اتخذتها أمريكا والإتحاد الأوروبي. وهو يعلم أن أمريكا تسعي لكسر الصعود الصيني الاقتصادي. وأيضا منع الصين من التفكير في اجتياح تايوان وضمها بالقوة إلى الصين تطبيقا لسياسة «صين واحدة». التي لا تخفيها بل هي ترسل المقاتلات الصينية للتحليق فوق تايوان تكرارا ومرارا. لتؤكد للعالم كله أنها لن تتراجع عن ضم تايوان وأن هذا الضم مسألة وقت. ولذلك فهي تدعم روسيا وبخطوات محسوبة. ومن الواضح أنها ستكون المستفيد الأول من الصراع الروسي الأوكراني.
البعد الاقتصادي في الصراع العالمي الذي يدور على أرض أوكرانيا ممتد بشكل واضح إلى كل دول الشرق الأوسط وله تأثير حالي وأيضا على المدي البعيد. كما سيكون له تداعيات على الأمن القومي لكل الدول داخل إقليم الشرق الأوسط. ولذلك فهناك تكتلات تتقارب وفقا للمصالح.
فعلى سبيل المثال نجد أن الخليج سيستفيد من ارتفاع أسعار النفط عالميا ويتحمل الضغوط الأمريكية التي تسعي للضغط على السعودية والإمارات تحديدا لضخ المزيد من النفط لخفض أسعار البترول التي وصلت بأرقام فلكية تاريخية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
كما أنها توجه رسالة للإدارة الأمريكية أنها ستسعى لحماية نفسها من خلال الاقتراب أكثر من التحالف الصيني الروسي. لأن أمريكا فعليا لم تدعم الخليج أمام التمدد الإيراني. بل أنها استنزفوا أموالا طائلة من الخليج وتركتهم لهجمات الحوثيين حلفاء إيران. حتى وصلت صواريخهم الرياض وأبو ظبي. وضربت الصواريخ شركة أرامكو في عمق المملكة السعودية وسحبت أمريكا بطاريات الدفاع الجوي في وقت غاية في الحساسية بحجة أنها تسحب قواتها من الشرق الأوسط لمواجهة الصين مما أضعف من إمكانيات الدفاع الجوي السعودية والإماراتية في الدفاع عن أجوائها.
تركيا كالعادة تضع قدما لها في ناحية والقدم الأخرى في الناحية الأخرى لتستفيد من طرفي الصراع. مستفيدة من موقعها الجغرافي الذي هو في قلب الصراع و كونها جزء من الناتو. بل وحاولت القيام بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا على أراضيها وحضرها بالفعل وزيرا الخارجية الروسي والأوكراني. ولكن تلك المفاوضات لم تفلح حتى في وقف إطلاق النار . و مازالت الآلة العسكرية الروسية تحاصر المدن والعاصمة كييف نفسها وتتقدم يوميا على كافة المحاور لخنق تلك المدن. ومازالت أسلحتها الحديثة كلها لا تشارك في هذه الحرب حتى كتابة المقال.
أما ألمانيا فقد زادت ميزانية وزارة الدفاع مائة مليار دولار لتحديث قواتها المسلحة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت ألمانيا ترفض زيادة نفقاتها العسكرية من قبل. وقد شاركت ألمانيا أوروبا وأمريكا في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد روسيا رغم العلاقات الاقتصادية الكبيرة بينهم وخاصة في مجال الغاز.
أما الكيان الصهيوني فهو يحاول أيضا إرضاء كلا من الأمريكان حليفه الإستراتيجي والروس طرفي الصراع وخاصة أن القوات الروسية موجودة على حدوده في سوريا ويستطيع دعم السوريين عسكريا بشكل أقوي. وخاصة في مجال الدفاع الجوي وهو ما سيحد من نشاط الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية. كما أنها تتفادى أي مواجهة مباشرة بينها وبين القوات الروسية كما أن روسيا تملك أن تدعم إيران في مواجهة إسرائيل في سوريا وفي كافة المحافل السياسية لو أرادت. وإسرائيل تخشي أن تتجه أمريكا لترضية إيران من خلال الاتفاق النووي الذي أوشكت مفاوضاته على الانتهاء لجذب إيران بعيدا عن روسيا مما سيدعم الاقتصاد والنفوذ الإيراني بل ويدعم فرص حصول إيران على القنبلة النووية التي ستكون تهديدا مباشرا لها ولكل دول الخليج بالطبع. مما خلق فرصة للتنسيق الهائل بينها وبين الإمارات بشكل علني وتصريحات سعودية أخيرة على لسان محمد بن سلمان ولي العهد تعتبر إسرائيل حليفا محتملا للسعودية في المدي القريب.
أما مصر فهي تتعامل بتوازن دبلوماسي واضح بين الكتلتين المتصارعتين لأن مصالحها موزعة بين روسيا وأوروبا وأمريكا والصين. وإن كانت مصر لازالت مكبلة بقيد سد الخراب الإثيوبي الذي بدأت إثيوبيا إجراءات احادية الجانب تمهيدا الملء الثالث الذي سيحول هذا السد إلى قنبلة مائية تهدد وجود مصر والسودان ولازال الحديث يدور حول مباحثات سرية بين مصر والسودان وإثيوبيا على أرض الإمارات. وبالطبع مازال التعنت الحبشي سيد الموقف ولا أحد يعلم ماذا ستفعل مصر للفكاك من هذه الكماشة التي تحيط برقبتها. خاصة أن الأوضاع في السودان ليست مثالية للتصدي للمخططات الإثيوبية ضد مصر والسودان. إلا أن الأوضاع العالمية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية قد تخلق لمصر فرصة التخلص من سد الموت الإثيوبي إما بالحلول السياسية أو العسكرية إذا كانت كل الطرق السياسية والمفاوضات الجادة مغلقة.
ومصر لديها كل الوسائل لتحقيق ذلك ومازالت المفاوضات تتراوح مكانها كما هي عادة الأحباش بدون تحقيق تقدم ملموس وقد كان للبيان المصري السعودي الأخير الذي صدر عقب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي السعودية بدعم سعودي لمصر في مواجهة إثيوبيا فيما يخص أمن مصر المائي تأكيد على التحرك المصري في هذا الملف الخطير. وهذا البيان لم يصدر مثله من الإمارات حتى الآن ولا غيرها من دول الخليج .
ولا زالت الحرب الروسية الأوكرانية في بدايتها والتحليلات حولها تحتاج إلى آلاف الصفحات وقليل من الأسابيع والشهور حتى تحصد كل دولة نتائج صحة أو خطأ حساباتها كما حدث لأوكرانيا التي تدفع ثمن أخطاء قادتها كل لحظة وأصبح اللاجئون الأوكران بالملايين في خلال أسبوعين فقط من بداية الحرب فمن يا تري سيدفع الثمن من الدول بعدهم .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية