لست خبيرًا اقتصاديًا، ولست ممن يمتلكون أدوات القراءة العميقة الحاسمة للوضع الاقتصادي العالمي، ولكنني، رغم ذلك، أعرف منذ أكثر من ستة أشهر أن العالم سوف يشهد أزمة تضخم كبيرة في مطلع العام الحالي 2022.
هذه مقدمة ضرورية حتى لا نسقط، جميعًا، في جدل حول أسباب ارتفاع الأسعار، والأزمة الاقتصادية العالمية، التي يريد البعض تحويلها إلى أزمة اقتصادية مصرية خاصة وخالصة!!.
الجميع كانوا يعرفون أننا في مصر، لأننا جزء من هذا العالم، وشركاء فاعلون في اقتصاده، بنسبة محدودة، كانوا يعرفون أننا سنتأثر بموجة ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة العملة، مقابل الدولار، نتيجة لموجة التضخم الناتجة في الأساس عن ارتفاع الطلب على شراء المنتجات المختلفة عقب أزمة كورونا وانحسار الفيروس، وخروج الناس إلى الحياة الطبيعية للحصول على احتياجاتهم، وهذا الإقبال كان سيؤدى قطعًا إلى زيادة الطلب، وقلة المعروض، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار.
مصر كانت تتوقع تضخمًا مقداره حوالي 7% واتخذ البنك المركزي المصري في منتصف العام الماضي عدة إجراءات، لتحجيم التضخم من بينها تثبيت سعر الفائدة، وتمكنت في سبتمبر الماضي من تحجيم التضخم وتثبيته لوقت طويل عند 6.6% وهو إنجاز كبير لم تتمكن دول أخرى، مثل تركيا، من تحقيقه.
والسؤال هو: لماذا تم تخفيض سعر الجنيه رسميًا في مواجهة الدولار؟ وأين نتائج تحجيم التضخم؟ وهل ما حدث سيؤدي إلى مزيد من الإجراءات التي تشعل الأسعار؟ وهل تعنى إجراءات اقتصادية أخرى مثل رفع سعر الفائدة البنكية أن هناك أزمات أكبر ستواجهها مصر خلال الفترة القادمة؟.
أولًا.. يجب أن نتفق أن الحرب الروسية الأوكرانية، قد أطاحت بكثير من الخطط الاقتصادية للعديد من دول العالم، فمصر التي بلغ احتياطي النقد الأجنبي لديها إلى 41 مليار دولار، وهو أعلى مستوى وصل إليه في 22 شهرًا الماضية، اضطرت من تغول الحرب الروسية الأوكرانية إلى الإعلان رسميًا عن سعر جديد للدولار بلغ 17 جنيهًا وخمسين قرشًا تقريبًا خلال الأيام الثلاثة الماضية، وبلغ اليوم 18 جنيهًا وخمسين قرشًا، ما يجعلنا نتوقع زيادة طفيفة له خلال الأيام القادمة، وما يعنى ايضًا ارتفاعًا جديدًا في الأسعار.
ثانيًا.. لا يمكن أن نسمى ما حدث قرارًا.. لأن مصر اتخذت من سنوات قليلة مضت قرارًا بأن يساوى الدولار سعره الحقيقي دون تدخل حكومي يخدع المواطن، ويؤدى إلى مزيد من انهيار قيمة العملة المصرية عالميًا، فالقرار هو أن يساوى الجنيه المصري قيمته الحقيقية في مواجهة العملات الأخرى، وهي سياسة مصرية واضحة وجيدة تعنى أنه لا خداع للمواطن مرة أخرى.
فقد كان المواطن فيما مضى يعتقد أن قيمة الدولار تساوى خمسة جنيهات، ليكتشف فيما بعد أن قيمته الحقيقية في الأسواق العالمية تتجاوز العشرة جنيهات، وأننا نقوم بشراء منتجاتنا من طعام وسلع بالقيمة الحقيقية للجنيه الذى لم يكن له سعر ولا قيمة في المنافسة السوقية العالمية، وكنا نقول للمواطن اطمئن، ولكنه كان يفاجأ بانهيار قيمة الجنيه (بلا سبب) بعد أن يقترب الاحتياطي النقدي من معدل الخطر.. ولذلك اتفق تمامًا مع قرار الإعلان رسميًا عن خفض قيمة الجنيه في مواجهة الدولار لأنه يعنى الاستمرار في سياسة الشفافية ومواجهة الواقع دون الالتفاف حوله.
ثالثًا.. ما يعنينا هنا هو إجراءات الحماية الاجتماعية التي ستؤدى إلى تخفيف موجة التضخم القادمة إلينا، لأسباب خارجة على الإرادة (كورونا -حرب روسية أوكرانية) وهذه الإجراءات تم اتخاذها بالفعل، وأعلن عنها الرئيس قائلًا: «إن الدولة ستقوم بإجراءات حماية اجتماعية خلال الأيام المقبلة لمواجهة التطورات التي تحدث في العالم.
وهي تطورات ليست بأيدينا لكنها تؤثر علينا مثل أسعار القمح والوقود وعدم استقرار حركة التجارة في عالم مرتبط ببعضه.. كان هناك وباء كورونا، لكن بعدها وجدنا أزمة أخرى، لكن ما أريد قوله للناس أننا بخير والأمور تسير على ما يرام، ولدينا الحاجات الأساسية المطلوبة متوفرة بشكل جيد لعدد شهور مناسب، فقد حرصت خلال السنوات الماضية أن يكون لدينا احتياطي مناسب يكفى 3 أو 4 شهور على الأقل حتى لو حدث أي تطور نقوم بالإجراءات المناسبة خلال هذه الشهور، والحمد لله لا يوجد نقص في السلع».
كما قلنا في بداية المقال، هذا الرأي، ليس مستندًا إلى خبرة اقتصادية، ولكنه محاولة للقراءة ردًا على حملة الكترونية واضحة، تسعى للقول بأن ما حدث هو سوء تخطيط اقتصادي، ولكن تفاصيل ما حدث في العالم منذ بدايات عام 2020 يؤكد أن ما نواجهه الآن هو (سوء حظ اقتصادي) وليس (سوء تخطيط) لأن العالم يعانى من موجة تضخم ليس لها نظير منذ سنوات طويلة.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية