شهدت محافظة الإسكندرية حادثة مؤسفة بمقتل القمص أرسانيوس وديد، شهيد الوطن، الحادث أعاد إلى الأذهان وقائع مؤلمة كانت قد شهدتها مصر وللمصادفة أيضاً في أبريل من عام 2017؛ إذ وقع آنذاك تفجير كنيستي «مار جرجرس» بطنطا والكنيسة «المرقسية» بالإسكندرية، مخلفاً 44 شهيداً وما يزيد على 150 مصاب. سبق ذلك بنحو مائة يوم فقط تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية في قلب العاصمة القاهرة حيث قتل 25 شخصاً على الأقل وجرح حوالي 50، غالبيتهم من النساء والأطفال.
أحد التفسيرات المرجحة لحادث طعن القمص أرسانيوس في الإسكندرية، أن يكون رد فعل عبثي ومجرم من أذناب الجماعة المحظورة على الحقائق اليومية التي يبثها مسلسل الاختيار ويفضح الجماعة وقادتها، لذلك فهي دائماً ما تلعب على وتر الطائفية وتحاول تأجيجه، في عودة غير منظمة لظاهرة «الذئاب المنفردة».
في هذا السياق؛ يشير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في كتابه حول «الذئاب المنفردة»، والمعنون بـــ «ظاهرة الذئاب المنفردة – الصور والدوافع وسبل المكافحة» إلى أن «دوافع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الذئاب المنفردة، قد تكون بدوافع نفسية من التعصب العرقي أو سوء فهم التراث الديني في أصول العقيدة، لافتًا إلى أن ظاهرة الذئاب المنفردة تنشط في أوقات ضعف التنظيمات المتطرفة في غالب الأمر».
لذلك مما يرجح دوافع عودة ظاهرة «الذئاب المنفردة» تراجع قدرة الجماعة المحظورة وتنظيماتها بشكل كبير على تدبير اعتداءات واسعة النطاق يتم التخطيط لها مركزيا، بعد الضربات الأمنية الاستباقية المتتالية التي تعرضت لها.
ومن ثم بات التنظيم يعتمد على من يعملون بصورة مستقلة عن قيادة التنظيم لتوجيه «ذئاب منفردة» وحثهم على تنفيذ هجمات محدودة، فقد تجد الجماعة المحظورة في مساندة وتبني هجمات الذئاب المنفردة متنفسًا جديدًا للادعاء بوجود انتصارات، ورفع الروح المعنوية بين الكوادر الموجودة، وإلهام عناصر جديدة للانضمام للتنظيم.
اصطلاح «الذئاب المنفردة» أو ما يطلق عليه إرهاب «السهم والسكين»، ظهر بصورته الجلية في وسائل الإعلام والأوساط السياسية الغربية، وهو نسبياً مفهوم جديد الإطلاق في علم السياسية، وإذا ما عدنا إلى سبب ربط هذا النمط بكلمة الذئاب، ذلك لأن الذئاب هي تلك الحيوانات التي يتغنى بها العرب والغرب التي تتميز بالشجاعة والقدرة على اقتناص الفرص والغدر في الوقت نفسه.
و«الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بعمليات مسلحة بوسائل مختلفة بشكل منفرد. بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى مرضية دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما. ومن دون أن يكون له ارتباط مباشر بشبكة على الأرض المستهدفة.
هناك نوعان من الذئاب المنفردة، النوع الأول الذي تقوده دوافع نفسية. عاملهُ نفسي فقد يكون الشخص يعاني من تحديات عائلية أو وظيفية أو مجتمعية. فيقوم بإطلاق طاقته السلبية نحو الأخرين حيث يقوم بالانتقام من محيطه من جهة. وحتى يشار إليه بالبنان والبحث عن الشهرة من جهة أخرى. أما النوع الثاني وهو الأكثر خطورة وانتشاراً فيكون ذات توجهات عقائدية أو أيديولوجية أو قومية.
صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وفي تحليلها للظاهرة. تقول إن هناك نوعين من «الذئاب المنفردة» هما «المجنون» و«الشرير». وتستشهد الصحيفة على ذلك بالطبيب النفسي الأميركي نضال حسن الذي أطلق النار في قاعدة «فور هود» العسكرية. وقتل 13 عسكريا عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه «مذنب».
وفي المقابل تتحدث الصحيفة عن المهاجر الإيراني مان هارون مونيس الذي احتجز عشرات الرهائن. في مقهى بمدينة سيدني الأسترالية خلال ديسمبر 2014. وكان يعاني من اضطرابات نفسية. ووصفه محاميه السابق بأنه «مصاب بجنون العظمة وصاحب سجل جنائي وعمل في السحر».
لذلك فخطورة تلك الظاهرة أننا نصطدم بمتطرفين دون قيادة أو تنظيم، وعلى شاكلة الباعة الجائلين. مما يصعب عملية رصدهم وتتبعهم. لكن قدرة الأجهزة المصرية أضحت فاعلة في الاستباق وناجعة في المواجهة. والثقة كاملة في النيابة العامة والقضاء المصري على التحقيق وإظهار الدوافع والحقائق كاملة.
حفظ الله مصر ونسيجها الوطني ووقانا شر الفتن.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية