قطعاً.. كان مسلسل «الاختيار»، في جزئه الثالث، رائعاً، وموفقاً، من حيث توثيق ما حدث قبل 30 يونيو، سواء كان هذا التوثيق بالدراما المستندة للمعلومات، أو بالصوت والصورة المسجلة للشخوص الحقيقية للحكاية.
هناك توثيق آخر لم يتضمنه المسلسل، متعلق بدراما تمويل جماعة الإخوان، خلال هذه الفترة أو ما قبلها، فلابد أن نسأل أنفسنا، كيف لجماعة دينية، كان تأسيسها المعلن عام 1928 قائماً على الدعوة، إلا انها تحولت للعمل في السياسة، مخالفة بذلك، كل القوانين، كيف لها أن تحصل على تمويل يكفى دولة، دونما رقيب أو حسيب لعشرات السنين، حتى أنها أصبحت دولة داخل الدولة، وأصبح هدفها التهام البلد بأكمله في جوفها، وتعاملت مع هذا الأمر وكأنه طبيعي في ظل تضخم ذات الجماعة بشكل غير مسبوق في ظروف تاريخية من الصعب تكرارها، وكان يندهش قادتها عندما كما نقول لهم: ماذا تفعلون، وقطعاً كانت الإندهاشة ممزوجة بالغضب من قادة هذه الجماعة الدينية التي كانت تمتلك اقتصاداً ينافس الدولة أحياناً!!
في يوم الأول من مايو عام2013 وفى ظل حكم محمد مرسى وجماعة الإخوان نشرنا هنا معلومات كشف عنها الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي الأسبق، عندما وجه اتهاماً صريحاً لقيادات في جماعة الإخوان المسلمين بغسيل الأموال!! وقلت في مقال موثق، بأن هذا الاتهام الخطير يوجهه رجل أمن شهير، لقيادات سياسية. تحكم بلداً كبيراً، صحيح هو لم يقل أسماء، ولكنه صرح بوجود جريمة. وألمح إلى إمكانية إعلان الأسماء، وقلت – وقتها – بأننا أمام موقفين. أولهما إما صمت الجماعة أمام هذه الاتهامات وهو ما يعنى أن الموضوع فيه «إنّ» يريدون إخفاءها. وإما أن يرد الإخوان على اتهامات خلفان بإعلان مصادر تمويلهم وهذا سوف يعنى أن الاتهام غير صحيح.
وطلبنا هنا في نفس هذا المكان منذ تسع سنوات رداً شافياً، واضحاً على سؤال طرحه ضاحي خلفان عندما قال عمن يحكمون مصر وقتها «لو كنت كاذباً فعليهم أن يقولوا من أين يحصلون على أموالهم؟ وما هي مصادر تمويلهم؟ وأنا أؤكد أنها أموال غير نظيفة!!» وقطعاً جملة غير نظيفة هنا مقصودة، لأن ثروات «غسيل الأموال» ليس لها سوى ثلاثة مصادر. هي: السلاح أو الدعارة أو المخدرات، وجميعها تجارة محرمة، فالأولى يتم اقتصارها على الدول، والتجارة الثانية والثالثة، غير مسموح بهما من الأصل!!
قلنا أيضاً – في ظل حكم الجماعة الإرهابية لمصر – بأن هذا الكلام الخطير لا نسرده باعتباره حقيقة مطلقة لا سمح الله ولكنه كلام يستحق أن نطرح معه قصة تمويل الجماعة، فهي أموال غير معروفة المصدر، ومن حقنا أن نعرف من أين تأتى، كما أن «ألف باء» الشفافية، أن نعرف مصدر إعلانات الجماعة، ودعايتها، وإنفاقها على أعضائها اجتماعياً، وهو حجم إنفاق لا يقل عن عشرات الملايين من الجنيهات سنوياً، حتى أن تقريراً أذيع منذ فترة قال إن حملة ترشيح الدكتور محمد مرسى تجاوزت 150 مليون جنيه!!
منذ سنوات، نشرت الزميلة صحيفة «الوطن» تقريراً خطيراً عن مصادر تمويل الجماعة. كتبه الزميلان عبد الرحمن شلبي ومحمد على زيدان، وهذا التقرير لم نتابع بعده رداً مستندياً. ولا منطقياً من قيادات الإخوان حول مصادر تمويلهم.. اسمحوا لي أن نستعيد بعض فقرات التقرير الذي جاء فيه: أول الخيط هو «يوسف ندا». رجل الأعمال المصري الحاصل على الجنسية الإيطالية. والذي كان يشغل منصب المفوض لجماعة الإخوان في الخارج ومؤسس «بنك التقوى». الذي اتهمه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بتمويل هجمات 11 سبتمبر.
تشير الوثائق إلى أن يوسف ندا قد أسس «بنك التقوى» في جزر «البهاما». إضافة إلى شركتي «ندا إنتر ناشيونال للخرسانة» و«التقوى للإدارة» وتمت تصفيتهما في فبراير 2004. بدأت شركة التقوى للإدارة «Al Taqwa Management Organization SA» برأس مال قيمته 100 ألف فرنك سويسري وقت التأسيس في يوليو 1988، وطرأت عليه عدة تغيرات حتى عام 2001 عندما بدأت السلطات الأمريكية في وضع اسم مؤسسات «يوسف ندا» و«على غالب همت» أحد أهم شركائه – تحت الحراسة، مما دفع بالشريكين (ندا وهمت) إلى تغيير اسم الشركة من «التقوى للإدارة» إلى «ندا للإدارة «NADA MANAGEMENT ORGANIZATION SA in liquidazione» » وعملت الشركة في مجال الاستشارات والخدمات الائتمانية وتنفيذ المشروعات وإدارة الممتلكات والوساطة العقارية.
الدراسة التي أعدها المركز الاستراتيجي والتقييم الدولي في الولايات المتحدة أشارت إلى أن يوسف ندا قام بخرق حظر السفر المفروض عليه من قبل الأمم المتحدة من محل إقامته في إيطاليا إلى سويسرا وقام بتغيير أسماء العديد من شركاته وتقدم بطلبات لتصفية شركاته الجديدة وعيّن نفسه مسئولاً عن التصفية، وهو ما تؤكده مستندات لعدد من الشركات التي تحمل اسم «التقوى».
لم تحمل الأوراق جديداً في هذا الشأن، حيث صودرت أموال ندا «الشركة والبنك» بعد اتهامه بالتورط في أحداث 11 سبتمبر. إلا أن الأوراق راحت تكشف بعداً أكثر أهمية، وهو خريطة تشابك العلاقات بين المؤسسين والخيوط الأولى وراء تمويل التنظيم. حيث حملت أوراق تأسيس شركات يوسف ندا عدة أسماء لأشخاص ينتمى بعضهم لتنظيم الإخوان في دول مختلفة. كما أن بعضهم أسس جمعيات عديدة تقوم على جمع التبرعات والاشتراكات من الأعضاء للإنفاق تحت بنود ظاهرية. تتمثل في (تعميق الوعى الإسلامي والرغبة في مساعدة الآخرين وتعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية. للأعضاء وتمكين الأعضاء من الوفاء بواجباتهم تجاه أسرهم وأنفسهم)!!.
قصة تمويل جماعة الإخوان، تستحق عملاً يوثق ما حدث، حتى يعرف الناس التفاصيل المثيرة المقترنة، بميزانية الجماعة!
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية