أمام جلال الموت وعظمة الخالق تجف الأحبار وتتوقف الينابيع وتتجمد الدموع في مقلة الأعين، ولا نملك بعد أن خارت قوانا ونفذ سهم الله إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، إقرارنا منا بقوة الله ونهاية الحياة ورضاء بقدره وامتثالا لحكمته وضعفنا وقلة حيلتنا.
الموت في حياتنا محطات وكؤوس مرة نتجرعها عنوة، فاقدين للأحبة بلا حول منا ولا قوة فالأمر كله لله، لتطوى صفحة من بين صفحات كتابنا وتسقط ورقة جديدة من شجرة حياتنا، وبين لحظة وأخرى تتغير دعواتنا من شفاه الله إلى يرحمه الله.
أيام عصيبة تلك التي بدأت مع مطلع يوم السبت الماضي، وعشنا نهايتها المأسوية صباح أول أمس الأربعاء.. مرت ساعاتها ودقائقها دهورًا كاملة، ونحن نترقب الحالة الصحية لصديق العمر الراحل الخلوق «الصاحب الجدع» يسري شبانة الذي عرفته منذ 32 عامًا وتصادقنا حتى فراقه، وأشهد الله أنه كان نعم العبد الصالح الصوام القوام وأنني لم أرى منه سوى بشاشة الوجه وحسن الخلق والطيبة والرجولة والأخوة.
كان الفقيد الراحل نهر من العطاء لكل من يعرفه ويد ممدودة بالخير لكل من يطلب دعمه ومساعدته وبلا مقابل، شريط من الذكريات المتلاحقة والمواقف التي لا تنسى تقاسمنا فيها الأحلام وقسمنا رغيف الخبز وجبنا البلاد من أقصاها لأدناها في حملات صحفية ضد الإرهاب والسيول والفقر والبطالة.
كان رحمه الله ساحرًا في علاقاته مع زملاءه، ولديه مقدرة بارعة على ملك زمام قلوب الجميع، الذين أجمعوا بلا اتفاق مسبق على دماثة خلقه وطيب قلبه، وصباح أمس الأول وفي نفس الشهر الذي فقدنا فيه الزميلين الراحلين عماد يونس وأحمد رزق رحمهما الله خلال أعوام سابقة، فُجعنا جميعًا بنبأ الرحيل وبكينا كثيرًا على وفاة الصاحب الوفي الذي لم يختلف عليه اثنان.
ورحل يسري شبانه بعد صراع مع المرض وعقب رحلة طويلة من الكفاح والصبر والعمل الدؤوب والمتميز في بلاط صاحبة الجلالة، ليتوقف قلبه المتعب الذي حمل هم الجميع الكبير والصغير من يعرفه ومن لا يعرفه، ويترجل الفارس عن ظهر جواده راحلًا إلى دار الحق تاركنا بدون وداع لتبقى ابتسامته الصافية وعيونه الضاحكة في مخيلتنا ما حيينا.
وأخيرًا إذا كان الموت علينا حق.. إلا أن رثاء الأحبة أكثر إيلامًا ويحتاج منا قدرات خاصة وكلمات لم تعرفها أسنة الأقلام.. رحلت يا صديقي ورفيقي وسيبقى أخر لقاء بيننا وأنت في سرير المرض صامدًا حامدًا شاكرًا راضيًا بقضاء الله ومقلتيك متعلقتان بالسماء آخر لقطة في شريط الذكريات.
نعزي أنفسنا ونعزي محبيك وندعو الله أن يربط على قلب إخوتك وزوجتك الزميلة نعمة عز الدين ويتولى قرة عينك أحمد ودينا برعايته ورحمته، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وألهمنا في فراقك الصبر والسلوان. سلام يا صاحبي.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية