تذهب الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها «شخصية مصر» الصادر في أعقاب نكسة 67؛ إلى أنه «حين تقف آثار المجد المصري مستقرة ثابتة، شامخة لا تنال منها الأحداث أو الناس أو الزمن نفسه، يتحايل نفر على قلب الحقائق حتى يجدوا ثغرة إلى النفس المصرية تهز ثقتها أو تشككها في ذريتها، والمصريون يواجهون مثل هذه الحملات أو التحديات بالدفاع أو الصمت».
غير أن المصريين في 30 يونيو وعقب نكسة عام 2012 بوصول الجماعة إلى حكم مصر، قرروا واختاروا الدفاع عن شخصيتهم الأصيلة، وهويتهم العظيمة، وبكل قوة.
الرهان الأول لمخطط الأخونة للجماعة؛ كان المحاولة اليائسة والمسعى البائس لتغيير الهوية المصرية، وضرب أحد ثوابتها الرئيسية ممثلاً في اللعب على وتر الطائفية البغيض؛ ليس فقط بين أبناء الأمة الواحدة مسلمين ومسيحيين، لكن أيضاً بين المسلمين والمسلمين، فأصبح هناك المسلم الإخواني والمسلم السلفي، والمسلم غير الإخواني، وهو ما كان رهاناً خاسراً؛ خطيئته الكبرى عدم مراجعة دروس التاريخ والتعلم منها، وهي التي أثبتت فشل محاولات اختراق الهوية المصرية المتنوعة؛ إسلامياً ومسيحياً، عربياً وإفريقياً ومتوسطياً، والعبث بها على مر العصور.
المفكر وأحد رواد حركة النهضة المصرية، أحمد لطفي السيد، كتب في مقال له بعنوان «المصرية» في عام 1913: «سُئل أحد علمائنا البلغاء فقيل له ما المصري؟، فقال: المصري هو الذي لا يعرف له وطناً آخر غير مصر. أما الذي له وطنان يقيم في مصر ويتخذ له وطناً آخر على سبيل الاحتياط، فبعيد عليه أن يكون مصرياً بمعنى الكلمة».
هكذا لفظ المصريون في الثلاثين من يونيو حكم الإخوان، لأنهم جعلوا الجماعة وطناً داخل الوطن، والانتماء عندهم للجماعة يعلوا على الانتماء للوطن، فتوهموا أنها وطناً فوق الوطن. لكن المصريين أكدوا أن مصر هي من فوق الجميع.
في هذا السياق؛ وفي مقاله المعنون بــــ «دورات النهضة والاضمحلال» المنشور في جريدة الأهرام أكتوبر 1974، يشير الدكتور لويس عوض إلى سمة تاريخية هامة تتعلق بالمسلك المصري عبر مراحل التاريخ المختلفة، حيث كتب «لوحظ في تاريخ مصر الحديث عبر القرنين الأخيرين، أي منذ سنة 1800 على وجه التحديد، أن الدولة في عصور القوة والازدهار تنحاز دائماً للتجديد، وفي عصور الضعف والانسحاق تنحاز دائماً للقديم».
هكذا هو الأمر لمصر والمصريين ما بعد 30 يونيو 2014؛ ودعنا عهود الضعف والتراجع، وانطلقنا بقيادة وطنية نحو التحديث والبناء في إطار «الجمهورية الجديدة». وكما كانت التحديات كبيرة كان الإنجاز سريعاً وعظيماً، نجحت «جمهورية يونيو الجديدة» في تثبيت أركان الدولة المصرية وإرساء دعائمها؛ دستورياً، تشريعياً وتنفيذياً، حقوقياً واجتماعياً، وأمنياً. وفوق ذلك وقبل ذلك كله تثبيت دعائم الهوية الوطنية المصرية.
لذلك؛ ونحن نقترب من العشرية الأولى لثورة يونيو المجيدة، وفي خضم عديد التحديات، نحن بحاجة لتأكيد العهد وتأكيد ثقة الإرادة والسيادة الشعبية المصرية في «جمهورية يونيو» التي تعبر منتصرة وتسير بخطى ثابتة نحو «الجمهورية الجديدة» في إطار دولة مدنية حديثة، وعقد اجتماعي جديد قائم على ركائز راسخة مستقرة؛ دستورياً، سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولتحيا مصر بإرادة شعبها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية