غادر بوريس جونسون، داونينج ستريت بعد خطاب متعجرف ومليء بالكذب، أظهر فيه تطور شخصيته بعد ثلاث سنوات في المنصب، شخص نرجسي، ضعيف الإنجاز، ويحتقر البريطانيين علانية. لقد انتهى الآن الى النسيان السياسي المخزي الذي لن يفكر فيه أحد، والذي ترك فيه هذا البلد يعاني من الذعر المتزايد طوال الصيف.
وبعد بضع ساعات، طارت تروس إلى بالمورال لمقابلة الملكة، والغريب أن صاحبة الجلالة طلبت من تروس تشكيل حكومة بنفس الطريقة التي قد تسأل بها أحد المسوقين عبر الهاتف إذا كان بإمكانك الاتصال بهم، مرة أخرى في غضون خمس دقائق.
تمثل ليز تروس رئيس وزراء بريطانيا، خروجًا فكريًا، عن كلا من رئيسي الوزراء السابقين لحزب المحافظين. أنها النموذج الامثل لبرجماتية وسائل تحقيق الأهداف الموضوعة بقناعة لا هوادة فيها. أن ليز ملتزمة بدولة العجاف، بينما تستعد لرمي عشرات المليارات من الجنيهات الاسترلينية في مشكلة ارتفاع فواتير الطاقة.
ليز تروس هي ثالث رئيس وزراء في المملكة المتحدة خلال ما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات، وهي النتيجة المقلقة لتهجين سياسي، متجرد من شعبية، على أرض الواقع. تحتاج رئيسة الوزراء الجديدة التي تحظى بدعم أقل من نصف نوابها إلى حل أزمة بلد يواجه مصيبة.
أخيرًا، لا خيار أمام تروس سوى الاتصال بالواقع. الأمر سيحتاج إلى مهارة سياسية. وربما تضطر تروس إلى استدعاء تدخل من حزب العمال لإنقاذها. أنها ستحتاج فى هذه المهمة إلى قوى خارقة للقيادة؛ في ظل أن تروس لم يتم اختيارها من قبل زملائها في البرلمان، ولا من قبل ناخبي حزب المحافظين، الذين فضلوا بشكل مختلف منافستها، ريشي سوناك، أو بقاء جونسون في المنصب.
في النهاية، بلغ عدد أنصارها 81326 من بين أعضاء حزب المحافظين، وهي مجموعة أغلبيتها من كبار السن، ميسورة الحال وتعيش في جنوب شرق إنجلترا. لقد مرت بحملة قيادة ضعيفة مع القليل من الفضل الى اسمها بخلاف القدرة على التحمل. لقد كانت باهتة وخفيفة الوزن في النقاش. بدت سياساتها غير قابلة للتصديق، مترابطة مع الكليشيهات. قد تدمر الأزمة تروس على المدى القصير. فمع أن الحرب الاقتصادية التي شنتها أوروبا على روسيا، لا يمكن أن تستمر إلى الأبد؛ وسوف تتكيف الأسواق وتظهر مصادر بديلة للطاقة. يتم جمع أرباح استغلالية ضخمة في أعماق قطاع الطاقة، ولكن لا يمكن أن يستمر وعد تروس المتهور بعدم فرض ضرائب غير متوقعة.
الصورة فى أوروبا تؤكد أن البراجماتية واليأس تقود الحكومتين الفرنسية والألمانية إلى الابتكارات الراديكالية. ولقد تأخرت بريطانيا في الظهور على الساحة، وتركت سياستها في مجال الطاقة على نحو فاضح ومتعثر لعدة أشهر.
إلى هذا الحد، يمكن لأزمة الطاقة أن تفعل بتروس ما فعله إغلاق كوفيد لجونسون. الأمة البريطانية ستعلق عليها كل كلمة قالتها تروس. نادراً ما يتسبب الكرم قصير الأمد مع المال العام في إلحاق أي ضرر برئيسة الوزراء، بالطبع ذلك سيوفر لها منصة جاهزة لاستعراض صفاتها القيادية؛ لكن شريطة أن تتابع عادتها السابقة في تعديل أفكارها مع الريح السائدة. إن مستهلكي الطاقة والمنتجين وتجار التجزئة يصرخون من الألم. الآلاف من الشركات الصغيرة تواجه الإفلاس.
الحقيقة البديهية هي أنها ليس لديها مكان تذهب إليه سوى الصعود. وفكرة أخذ المليارات من الخزانة العامة لمكافأة الأغنياء بـ 1800 جنيه استرليني والأفقر بـ 7.66 جنيه استرليني فقط، سيبدو منحرفًا وظلمًا إلى حد بعيد.. وهذا النوع من التطرف سوف يصدم معظم الناس في بلد بالفعل هو الأكثر انعدامًا للمساواة في أوروبا.
يبدو من المرجح أن الخطوة الأولى لرئيسة الوزراء ستكون تمزيق كل شيء قامت بحملته الانتخابية والتحول إلى اقتراح المعارضة بتجميد فواتير الطاقة عند مستويات أبريل 2022.
قد يكون عهدها سيئًا ووحشيًا وقصيرًا. قد يغريها ارتدادها للاندفاع في انتخابات مبكرة، حيث لن يكون أي شيء جيدًا مرة أخرى، لكنها ستظل تخسر.
ويبدو أنها ستكمل الشيء الوحيد الخاطئ في الحكومات المحافظة على مدار الـ 12 عامًا الماضية هو أنها لم تكن محافظة بما فيه الكفاية. فهي عادة ذهنية يشترك فيها المحافظون الراديكاليون مع الشيوعيين الثوريين، الذين يمكنهم دائمًا تبرير انزلاق الأنظمة الماركسية إلى الطغيان المفلس بزعم أن النظرية لم تطبق بشكل صحيح أو أن عملها الصحيح قد أحبطه غير المؤمنين والدول الأجنبية الخبيثة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية