تبقى أهم مميزات حزب الوفد التي لا ينافسه فيها أحد، تاريخه النضالي الطويل، وكفاحه، وتراثه الضارب، في جذور الأرض المصرية، منذ مائة عام..ومائة عام اخرى، لا تكفي أبدًا، لكي نتدارس تاريخ هذا الحزب، الذي نشأ ليبقى، وعاش ليعطى المثل للأجيال، التي تريد معرفة معنى الانتماء، والإخلاص للفكرة.
أما عن الفكرة التي ولدت مع ظهور الوفد عام 1918 لا يمكن لها أن تتكرر، كانت صعبة للغاية، ظروفها التاريخية نادرة، ولذلك سيبقى في التاريخ حزب واحد له مميزات فكرة الوطنية المصرية الجامعة، هذا الحزب اسمه «حزب الوفد» الذي أسسه سعد، وحرص الوفديون عليه، إلى اليوم.
ولذلك، فإنني أقول، دائماً، إن الوفد «عَقِيدَة وَجِهَادٌ» ورغم أن هذا الشعار يُغضب البعض، إلا أنه مُلخص قصير لتاريخ الوفد، فالوفد عقيدة عند أبنائه، وتاريخه كله نضال وجهاد ضد المُحتل الغاصب للوطن، وجهاد من أجل ترسيخ الديمقراطية والتعددية، وهو أيضاً، فكرة غير قابلة للتكرار، ورأيي هذا ليس فيه مصادرة على التاريخ، ولكنه رأى مرتبط بالواقع، الذى يقول إن المصريين لديهم حزب واحد يشعرون تجاهه بعاطفة موروثة، مثل عاطفة الانحياز نحو العائلة، هو حزب الوفد.
ولذلك فشلت محاولة الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، الذي حاول تأسيس حزب سياسي جديد، يحمل أفكار حزب الوفد في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بل حاول تأسيسه بنفس التركيبة، التي اعتمد عليها الزعيم سعد زغلول في عام 1918.
فقد حاول البرادعي استنساخ الفكرة والتركيبة البشرية، التي تعتمد على تنوع العائلات، والديانات، والنوع، والطبقات، لكن الناس بشكل طبيعي، عرفوا أن هناك أصلًا وفرعًا، ولذلك لا يمكن أن تكرر فكرة «النادي الأهلي» أو فكرة «النادي المصري»، فكلاهما قام على فكرة الوطنية المصرية، ومواجهة سيطرة الأجانب على الأندية والتجمعات الرياضية، وإنشاء أندية مصرية تماماً.. وأيضاً، لا يمكنك تكرار فكرة «نادى الزمالك» التي قامت على فكرة اقتحام المصريين لعضوية النادي الذي كانت إدارته أجنبية، ليتم تحويله إلى نادٍ مصري لحمًا وعظمًا ودماً.
من أهم مميزات ثورة 1919 أنها صححت الأخطاء التي وقعت بها الحركات والثورات والانتفاضات الشعبية المصرية السابقة، والتي قادها زعماء مصريون ضد المستعمر الأجنبي، فقد طالبت ثورة 19 بشكل صريح منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة بإجلاء المستعمر من الأرض المصرية، وهي الثورة التي تكاتف فيها المسلم والمسيحي معًا لأول مرة، فتحول الدفاع عن حرية الوطن، من فريضة دينية، فقط، إلى فريضة وطنية أيضاً، لا فرق فيها بين صاحب دين، ورفيقه من الدين الآخر.
وفى ثورة 19 ظهرت المشاركة الإيجابية النسائية في صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة في المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع، وكانت أول شهيدتين في هذه الثورة السيدتين «حميدة خليل» و«شفيقة محمد». وفى عام 1920 تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، نسبة لحزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وانتخبت السيدة هدى شعراوي رئيسًا لها.. وكان هذا انجازًا تاريخيًا كبيرًا، يستحق الرصد والمتابعة والتقدير.
أما ثورة 1919 التي ولد من رحمها حزب الوفد العريق منذ مائة عام إلا قليلاً، لا تتلخص قيمتها في مظاهراتها العارمة ولا حتى الضغوط السياسية على الإنجليز أو قدرتها على تقليم أظافر الملك في مواجهة الشعب ولكن قيمتها الحقيقية هي أن الأمة أصبحت مصدرًا للسلطات، بصرف النظر عن انتهاك السلطة لهذا المفهوم عبر استخدامها للقوة والبطش ولكن المصريين كانوا يقاومون البطش بالمواجهة السياسية والدستورية.
وأخيراً.. سيبقى سعد زغلول قائد ثورة 19 قائدًا وزعيمًا لا يتكرر، فهو الرجل الذي قال عندما أصبح حاكمًا منتخبًا جملة لا تُنسى، فقد أطلق المقولة الشهيرة: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة».
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية