شديد اعتذاري عن استخدامي مفردات وعبارات لم تعد دارجة هذه الأيام! يعتبرونني «دقة قديمة» بحسب تصنيف العصر الذي نعيش فيه. في زمن التفكك الاسري والانهيار الثقافي والأخلاقي لا تكون الأصداء والتأثيرات عالية لحديث عن قيم تراجعت، وتقدمت عليها صفات أخرى، لا تصنع مستقبلًا ولا تحدث تقدمًا. في زمن التآلف والتآزر الأسري عرفت مصر أجيالًا وراء أجيال معنى الشهادة ومعنى البذل والعطاء والتضحية والفداء.
وفى زمننا المنكوب بالانصراف عن التاريخ والمعرفة والثقافة، عرفت الأجيال الحالية مفردات ومضامين غريبة.. من «إيه الآسا توك ده » إلى «السح الدح امبو » وصولًا إلى «إيييييييه » و « لو لعبت يازهر» ! لله يا زمري – أو بالأحرى زمرنا كلنا- ذَهَبْتَ سدًى وبغير نتيجة.
في زماننا كانت الفنانة شريفة فاضل تبكينا وهي تغني «أنا أم البطل».. وماتزال الفنانة شادية تلهمنا حين تنشد «يا حبيبتي يا مصر». بعض من أجيال الماضي ما يزال فيها الرمق.. يلتهب وجدانها وتحبس أنفاسها وهي تشاهد فيلم «الممر» و«الطريق إلى إيلات» و«الهجان» و«الشوان» (دموع في عيون وقحة!)
امهاتنا من قديم الزمن، وشيوخ الكتاتيب وأساتذتنا في الابتدائي علمونا ان نحصل على «النصر» أو «نيل الشهادة». رسخوا فينا أن الشهيد يدخل الجنة بغير سابقة عذاب ولا حساب. حتى أننا كنا نعتبر أن الموت استشهادًا أروع من الذهاب للحج. هكذا كنا نتعلم في زمن المجد القديم. القرآن والانجيل يؤكدان: طوبى للشهداء. في مصر يوم للشهيد يحتفى به في ٩ مارس من كل عام.
اختير هذا اليوم رمزا للبطولة في الميادين التي أبداها القائد العسكري الفذ الشهيد عبد المنعم رياض.. الذي قضى حياته على جبهات القتال، وفي إحدى جولاته استشهد بنيران الأعداء عام ١٩٦٩. الكنيسة القبطية تحتفل بعيد النيروز أو عيد رأس السنة القبطية او رأس السنة المصرية ويسمى ايضا عيد الشهداء، هي مناسبة سنوية تحتفل بها الكنيسة في 11سبتمبر من كل عام ويوافق رأس السنة القبطية الجديدة وبدايتها شهر توت.
وتعود التسمية (عيد الشهداء) الى رغبتها بتكريم شهداء عصر الامبراطور دقلديانوس، الذي اوسع مسيحيي مصر تعذيبا وتنكيلا وإزهاق أرواح. جمعية المحاربين القدماء لاتزال تنشط بكفاءة في ميدان دعم شهداء الحروب .
مناسبة هذا الكلام يعود الفضل فيها إلى الرئيس السيسي، الذي وجه فى اجتماعه مؤخرًا مع مسئولى صندوق تكريم الشهداء ، «بإجراء حصر دقيق لكل شهداء مصر في الحروب بدايةً من عام 1948، لدراسة ضمهم إلى قوائم المستفيدين من الصندوق، تقديراً من الوطن لأبنائه المخلصين وترسيخاً لقيم الوفاء لأسرهم».
بحث الرئيس خلال الاجتماع سبل تقديم أفضل المزايا والمبادرات الخدمية لصالح جميع فئات وأفراد أسر المستفيدين من الصندوق، فضلاً عن إجراءات تنمية موارد الصندوق، و مستجدات عملية صرف التعويضات .
كل ذكر للشهداء وكل تكريم لهم وكل حصر لعددهم ، أمر يهز الوجدان . يعيد للأمة تماسكها الذي كان ، وذهب مع الريح بفعل متغيرات عاصفة بفعل زلزال السادات فى السبعينات. توجيه الرئيس يجعلنا نحلم ..فقبل ان تتقلص – أو تنحسر -الرحلات المدرسية ، كانت تأخذنا إلى لحظة مهيبة ، وهى زيارة قبر الجندي المجهول ، وعنده كنا ننقش بورودنا على “حائط البطولات” المصرى .أملى كبير أن هذه اللحظة سوف تعود.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية