المنصورة مدينة يتجاوز عمرها الــــ 800 عام، حيث أكملت في عام 2019 عيد ميلادها الثمانمائة. وقد ورد ذكر مدينة المنصورة في العديد من المصادر التاريخية والجغرافية، بأنها استمدت كُنيتها واسمها من الانتصارات التي وقعت على أرضها؛ وذلك منذ نشأتها الأولى كمدينة حربية لمواجهة الحملة الصليبية الخامسة، بعد سقوط دمياط في أيدى الصليبيين، حيث رحل السلطان الكامل من معسكره في العدلية في أوائل فبراير 1218 م إلى بلده أشمون الرمان، ليختار منطقة مثلثية الشكل قبالة طلخا وجوجر ويحيط به بحر أشموم وفرع دمياط، لتكون حصناً لمواجهة الغزاة، لتنشأ المنصورة عام 616 هـ – 1219م وكان يطلق عليها اسم “جزيرة الورد” لأنها كانت محاطة بالمياه من ثلاث جهات وكانت بها أكبر حدائق ورد في مصر، وسمى هذا الموقع بالمنصورة، تيمناً بالنصر، إذ شهدت نصرها الأول في منتصف المنطقة الواقعة بين المنصورة ودمياط، حيث دارت معركة كبرى مع الصليبين، حتى سقط لويس التاسع في الأسر، وقُتل شقيقه، ليساق مكبلا بالأغلال إلى مدينة المنصورة، ويسُجن في دار قاضي المدينة فخر الدين إبراهيم بن لقمان.
حديثاً؛ كانت سماء المنصورة شاهدة على واحدة من أكبر المعارك الجوية وأطول اشتباك جوي في التاريخ في 14 أكتوبر 1973 ضمن معارك حرب أكتوبر 1973، لتصبح ذكرى أغلى انتصار تحقق في العصر الحديث، وعيداً للقوات الجوية المصرية.
ومع تدشين الجمهورية الجديدة؛ كانت المنصورة الجديدة حاضرة أيضاً، لتمثل نصراً أخر وجديد في ثورة التعمير والعمران. لتجسد مدينة المنصورة الجديدة مفاهيم العمران الحديثة، ومدن الجيل الرابع، وأهداف التنمية المستدامة، وهي مجموعة الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة، والمعروفة أيضاً باسم «الأجندة العالمية للتنمية 2030»، وتتكون من 17 هدفاً تمثل في مجموعها 169 غاية تنموية، ونحو 233 مؤشر، تغطي مجموعة واسعة من قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية، على رأسها قضايا: الفقر، الجوع، والصحة، والتعليم، وتداعيات التغير المناخي. ويرتكز جوهرها على حق الأجيال المستقبلية في الموارد الطبيعية.
مدينة «المنصورة الجديدة» تجسد وتحقق على وجه التحديد، الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة، والمعنون بـ «مدن ومجتمعات محلية مستدامة»، والذي يسعى إلى ضمان حصول الجميع على مساكن وخدمات أساسية ملائمة وآمنة وميسورة التكلفة، ورفع مستوى الأحياء الفقيرة، بحلول عام 2030، وجعل ما يقرب من 60 % من سكان العالم يعيشون في مناطق حضرية. لتكون المدن المستدامة، مدن مكتفية ذاتياً، نشطة اقتصادياً، ومتوافقة بيئياً.
مدينة «المنصورة الجديدة» في هذا السياق أيضاً تحقق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الانسان في محورها الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تشمل الحق في السكن اللائق. وتحقيـق أهـداف «استراتيجية التنميـة المسـتدامة: رؤيـة مصـر2030 » التـي تسـعى إلـى تحقيـق التنميـة الشـاملة مـن خلال بنـاء مجتمـع عـادل يتميـز بالمسـاواة والتوزيـع العـادل لفوائـد التنميـة، وتحقيـق أعلـى درجـات الاندماج المجتمعـي لكافـة الفئـات، وتعزيـز مبـادئ الحوكمـة. كما أنها تتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ وتحقق النمو الاقتصادي المستدام منخفض الانبعاثات، وواحدة من المدن المستدامة التي شكلت رؤية مصر في إطلاق برنامج المدن المستدامة عالمياً بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
والدلالة الأبرز للعاصمة الإدارية، والمنصورة الجديدة، وغيرها من مدن الجيل الرابع والمدن المستدامة التي امتدت بامتداد مصر، تقول إن مبادئ وأهداف التنمية المستدامة لم تعد أهداف ومبادرات نظرية، بل هي واقع يتجسد بشكل يومي، يعزز ويؤكد على الجهود التنموية الحقيقية للدولة المصرية، ويؤكد على عودة مبادئ الجودة والأسس الحضارية مرة أخرى إلى واقعنا، بعدما ساد التشوه العمراني في كل ركن ومنحى. وقد كانت الخطوة الأولى في القضاء على التشوه العمراني منظومة “اشتراطات البناء الجديدة”، في محاولة مهمة لضبط مسار الثروة العقارية المصرية وتصحيحه.
ودائماً وأبداً تظل مصر إن شاء الله منصورة بصدق النوايا، والعمل الجاد، واصطفاف شَعْبها الأَبيّ خلف قيادته ومؤسساته الوطنية، لأن هذا الوطن يستحق ما هو أفضل، والشعب المصري يستحق كل الخير، والدولة والقيادة لا تسعى إلا لغير هذا الخير.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية