أيام قليلة ونطوى صفحة عام، ونستشرف عامًا جديدًا.. نتمناه عامًا تطوى خلاله أزمات كثيرة ضربت العالم، وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية التي مازال تأثيرها بالغًا على كثير من الدول، على اعتبار أنها مست أخطر عناصر الاقتصاد وهما الطاقة وسلاسل إمداد الغذاء، وهو ما تسبب بالفعل في إرباك العالم اقتصاديا، وجعل البنوك المركزية في أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول في سباق محموم لمواجهة تداعيات الأزمة، مما كان له تأثير بالغ على الدول الفقيرة والنامية في زيادة الأسعار وارتفاع التضخم.
وبرغم كل الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية للسيطرة على الأسعار إلا أن الشريحة الأكبر من المصريين باتت تئن من ارتفاع الأسعار مقارنة بالدخول المتواضعة، خاصة وأن هذه الأزمة جزء منها استغلال تجاري، ونحتاج بالفعل إلى إجراءات صارمة للحد من الجشع التجاري خاصة للسلع والمنتجات المحلية التي نرى تفاوتًا كبيرًا في أسعارها سواء لدى المنتج أو بين أسواق الجملة والتجزئة إلى حد أن الأسعار لدى تجار التجزئة تمثل ثلاثة أضعاف أسعارها في سوق مثل العبور وغيره من أسواق الجملة!
صحيح أن الدولة المصرية تنتهج مسارًا جديدًا، لم تعرفه منذ أكثر من خمسين عامًا في معالجة جميع المشاكل والأزمات المتراكمة من خلال الحلول الجذرية وليس بالمسكنات كما كان يحدث في السابق، وهو أمر كلف موارد الدولة فوق قدراتها، ولكنه السبيل الوحيد لانتقال مصر نحو التطور والحداثة والتنمية الشاملة التي غابت لعقود طويلة، كما تسببت الأحداث الدولية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة على خطط مصر ومعدلات التنمية، وكان سببًا في ضغوط إضافية على الاقتصاد المصري وكل التبعات التي حدثت من زيادة الأسعار وأيضا أزمة الدولار وتكدس البضائع في الموانئ وغيرها من المشاكل التي أربكت السوق المصري الذي يعتمد شريحة كبيرة منه على حركة التجارة والتي باتت تعانى أيضا من تضارب القرارات وأسعار الصرف.
ونتمنى أن تكون توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل عدة أيام بإنهاء مشكلة البضائع بالموانئ بداية لعودة النشاط والحركة التجارية في السوق المصري مع بداية العام الجديد، ولكن تبقى المشكلة الأساسية والحقيقية وهي السبيل إلى تعظيم موارد الدولة وبناء اقتصاد وطني قوى قادر على مواجهة شتى الأزمات وتجاوزها بعيدًا عن المنح والمساعدات والقروض!
الحقيقة إن كل التجارب والأزمات التي مرت بها مصر تضعنا أمام ضرورة ملحة وهي التحول نحو التصنيع والإنتاج، وإذا كانت الدولة انتقلت بالفعل نحو تعظيم الإنتاج في مجال الزراعة من خلال مشروع الاستصلاح في مناطق توشكى وسيناء والدلتا الجديدة لإضافة حوالي 2 مليون فدان للرقعة الزراعية وتستطيع مصر من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي لكثير من السلع الاستراتيجية وزيادة صادراتها.. إلا أنها على الجانب الآخر، وتحديدًا في مجالات الصناعات الصغيرة مازالت عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من المستهدف، وهي بالتأكيد صناعات هامة ولها عوائد اقتصادية متعددة باعتبارها أكثر الصناعات جذبًا للأيدي العاملة والحد من البطالة، وأقل الصناعات كلفة في رؤوس الأموال، وأكثر الصناعات استهلاكًا بالسوق المحلى.
والحقيقة أيضا أن هناك عشرات الآلاف من الشباب يبحثون عن وحدات صناعية بنظام حق الانتفاع لإقامة صناعات صغيرة كانوا يقومون بتصنيعها واستيرادها من الصين ولديهم خبرات كبيرة كلا في مجاله ولكنهم توقفوا بسبب مشاكل الاستيراد والعملة وكل آمالهم أن تساندهم الدولة في التصنيع داخل بلدهم، وكلنا يعلم أن كثيرًا من الدول الصناعية والنمور الأسيوية قد بدأت بهذه الصناعات.. ونتمنى أن يكون العام الجديد عام انطلاق الصناعات الصغيرة في مصر.
حمى الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية