كان المقال السابق والذي كان عنوانه ٢٠٢٣ رؤية للأحداث مقدمة هامة لما يحدث من صراع عالمي لبدء البحث بتوسع عن الصراع الإقليمي بالشرق الأوسط وتأثير الصراع العالمي عليه وفي القلب منه مصر تلك الدولة التي كتب عليها التاريخ والجغرافيا أن تظل دائما محورا لكل الأحداث الجسام في العالم كله.
لابد لمصر من أن تتغلب على مصاعبها الاقتصادية حتى تعود إلى ما كانت عليه سابقا الدولة التي يسعي إليها الجميع فهي تتمتع بجيش قوي حديث يعاونه جهاز مخابرات عالمي الطراز وشعب كبير العدد والحضارة والتنوع الفكري وجغرافيا تحدث عنها المبدع العبقري جمال حمدان ووصفها بأنها جغرافيا لا تتكرر مما جعل مصر دائما محورا هاما لكل من أراد التوسع في الشرق الأوسط.
ولكن مصر عاشت بدون أجندة لمدة 30 سنة كاملة خارج أي صراع أو إبداء رأي إيجابي وبدون تقدم للأمام تحت شعار استسلامي ظاهرة نعمة وباطنه إنهاء الدور المصري عربيا وأفريقيا هو مصر أولا.. وبالفعل انسحبت مصر من افريقيا كلها و تركت السودان عمقها الإستراتيجي يتمزق و تركت فراغا هائلا في قارتها افريقيا كانت تملأه باقتدار و أيضا و داخليا تركت تنظيما سريا يتوسع و ينمو اقتصاديا و سياسيا دون أن تسمح بالتنوع السياسي الحقيقي و باعت مصانع القطاع العام بأبخس الأثمان دون أن يكون للدولة ظهيرها الاقتصادي البديل فقد كان الشعار تقريبا نأكل و نشرب و نعيش يومنا فقط و اعتبار إن عدم دخول مصر في أي صراع هو غاية المراد للدولة كما أصبح الجيش المصري في تلك الفترة ينتظر السلاح المتقادم من دولة لا تتمني أبدا أن يكون الجيش المصري قويا.
و أصبح أغلب السلاح أمريكي الصنع و الجميع يعلم الشروط المستفزة الأمريكية لبيع السلاح لأي دولة و مدي التحكم في القدرات العسكرية لأي دولة تقتني السلاح الأمريكي و علي ذلك أستطيع القول إن فترة تقزيم الدور المصري تمت بنجاح طوال تلك السنوات الثلاثين مما ترتب عليها أن كل مكان أو مجال تركته مصر ملأته إسرائيل و إيران و تركيا و أيضا بعض دول الخليج لنمو دورها و رغبتها في مقاومة التوسع الإيراني في الشرق الأوسط والذي شمل العراق و لبنان و سوريا و اليمن من خلال أدوات و قوات عسكرية كما تمددت تركيا في ليبيا و سوريا و العراق بل و أحتل جيشها ألاف الكيلومترات في شمال العراق و في سوريا بحجة محاربة التنظيمات الكردية و توسعت إسرائيل و أقامت علاقات دبلوماسية و اقتصادية و عسكرية مع معظم دول أفريقيا ثم مع دول الخليج و علي رأسها الإمارات و البحرين و باتت تضرب دمشق عاصمة سوريا علانية بحجة أنها تضرب المعسكرات الإيرانية في سوريا و أصبحت ليبيا العمق الإستراتيجي الثاني لمصر منقسمة الي دولتين علي أرض الواقع واحدة في غرب ليبيا و عاصمتها طرابلس و تهيمن عليها تركيا و الأخرى في الشرق و الجنوب و عاصمتها بنغازي بقيادة الجيش الليبي و البرلمان .
الآن لابد من عودة الدور المصري الذي تعود معه مصر مرة ثانية قائدة مهابة من كل الدول خاصة التي لها أجندات نفذتها و استطاعت بها اختراق الأمن القومي العربي وبات علي مصر التغلب علي المشكلة الاقتصادية من خلال نمو دور مصر إقليميا فنحن نري تركيا مستفيدة اقتصاديا و عسكريا من كل أطراف الصراع في سوريا علي سبيل المثال و لا يمكن طرح أي حلول للحرب في سوريا دون وجود تركيا علي طاولة المباحثات لأنها طرف أساسي في المعادلة و قد استفادت من الدعم الخليجي لها بعشرات المليارات من قطر و الإمارات و السعودية أيضا كما استفادت عسكريا و حصلت علي أحدث نظم الدفاع الجوي من روسيا رغم أنف أمريكا كما أتمت الاتفاق مع روسيا علي أن تكون تركيا مركزا لمرور الغاز لأوروبا من خلال خط ترك ستريم و الذي سيكون البوابة الخلفية لإمداد أوروبا بالغاز بأكثر من ثلاثين مليار متر مكعب من الغاز الروسي كما أن تركيا لا زال يحصل علي التحديثات الجديدة للطائرات المقاتلة الأمريكية أف ١٦ من أمريكا و هذا جزء يسير مما تحصل عليه تركيا نتيجة لدورها النشط إقليميا كما استغلت ظروف الصراعات سوريا و العراق و بنت العديد من السدود و حرمت سوريا و العراق من المياه المتدفقة الي نهري دجلة و الفرات دون أية مقاومة حقيقية من الدولتين .
أما عن إيران فهي أيضا في سوريا بقواتها و في لبنان عن طريق حزب الله الشيعي الذي تحكم فعليا في مصير لبنان تحت حجة أنه قوة مقاومة ضد إسرائيل و لا يمكن أن يصدر قرار في لبنان و ينفذ إلا إذا كان حزب الله موافقا عليه و في اليمن عن طريق الحوثيين الذين يخوضون حربهم ضد السعودية للعام الثامن علي التوالي دون أن يلوح في الأفق نصرا أو هزيمة لأحد الطرفين كما أن الميلشيات الإيرانية الشيعية تحتل العراق أرضا و قرارا و هو ما يعني توسع إيراني حقيقي يزيد من قوة إيران و تحاصر به دول الخليج من تلك الدول التي لها حدود مشتركة مع دول الخليج .
الآن اتخذت مصر قرارا بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا طبقا للقانون البحري الدولي و هو أول قرار يمضي بنا في الاتجاه الصحيح حيث تستطيع مصر زيادة حصتها من غاز شرق البحر الأبيض المتوسط من أراضي مصر و حدودها وهذا القرار اعترضت عليه تركيا رغم أنها لا علاقة لها بتلك الحدود المصرية الليبية المشتركة المعترف بها دوليا و تعتبر تركيا الغرب الليبي جزء من محيط نفوذها حاليا كما أن قيادة مصر للقوات البحرية المشتركة ١٥٣ و المكلفة بحماية مضيق باب المندب يشكل ضربة للأجندة الإيرانية و للنفوذ الإيراني الذي تسعي لفرضه علي البحر الأحمر من خلال التحكم في باب المندب عن طريق الحوثيين و هو ما لن تسمح به مصر لأن كل السفن التي ستعبر قناة السويس تمر منه ذهابا و إيابا و مصر تملك القوة البحرية اللازمة لتنفيذ هذين القرارين الهامين و بذلك فإن ما تم إنفاقه علي تحديث جيشنا العظيم بالغواصات و حاملات الطائرات و طائرات الرافال و غيرها و تنويع مصادر السلاح و توطين التكنولوجيا العسكرية أصبح له دور في حماية ثروات مصر للخروج من تلك الأزمة الطاحنة التي عصفت بمصر خاصة في العام ٢٠٢٢ المنقضي .
لازالت اثيوبيا تبني في سد الخراب الأثيوبي والذي هو خطر وجودي على مصر و لكني أري أن الصراع الأمريكي الصيني في أفريقيا سيكون مدخلا للتخلص من حبل المشنقة الذي تلفه أثيوبيا حول عنق مصر بمجرد أن تعلن مصر من خلال تحركاتها المحسوبة عن عودة مصر لقيادة الأقليم و هو ما يعني زيادة الصراع بين الصين و أمريكا علي من سيستقطب مصر إلي جانبه ولنا في هذا الموضوع البالغ الأهمية عودة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية