زمان كنا ندرس أن هناك فرعا في فن التحقيقات الصحفية اسمه تحقيق الهروب، وقالو لنا إنه هو من أخطر أنواع التحقيقات إذا ما تم استغلاله لإلهاء الناس وإبعادهم عن التفكير في مشاكلهم أو قضاياهم، فهو يشد القارئ بعيداً عن مشاكله اليومية، ويهرب به عن اهتماماته السياسية ليقدم له الجوانب والموضوعات التي تدور عن نجوم الفن والمجتمع والرياضة.
ويبدو أن هذا الموضوع انتقل إلى الإعلام المرئي ويستغله السياسيون في محاولة لشد أنظار الناس عن المشاكل الحقيقية.. وبدلا من اشراك الناس في إيجاد حلول لهذه المشاكل يتم إلهاؤهم عن طريق إثارة قضايا تافهة وتصعيدها إلى المشهد العام أو استخدام بعض الأشخاص في إثارة المشاكل مع فرض حماية لهم من الملاحقة القانونية حتى يعتقدوا انهم فوق القانون.
وهذه النظرية القديمة تنتج نفسها في كل فترة وتطورت مع التطور الهائل في وسائل الإعلام المرئية ومواقع التواصل الاجتماعي، وينجر وراءها الملايين من المتابعين وتستخدم بصورة كبيرة في محاولة لفت نظر الناس عن المشاكل التي نستطيع حلها، وتزدهر هذه الظاهرة مع غلق المجال العام وما يترتب عليها من انتشار الشائعات والاتهامات التي تطلق بدون دليل على أشخاص عامة، وتصل إلى حد التطاول على مؤسسات الدولة في محاولة لجذب الرأي العام إلى اتجاه بعيد عن الأزمات الحقيقية.
وتتجلى هذه الظاهرة الآن في ظل الأزمات الكبرى التي تعيشها البشرية وعجز الحكومات عن إيجاد حلول سريعة لها، لذا يتم التوسع فيها بصورة كبيرة وبعناية فائقة ليس على المستوى المحلى ولكن على المستوى العالمي.
والغريب أن الحكومات تعلم تماما أن مصارحة الناس بما تعانيه البلاد من أزمات وتفتح باب الحوار الحقيقي أمام الشعب يشاركها في إيجاد حلول لهذه الأزمات، خاصة أن أبدت مصداقية حقيقية في التعامل معها فستجد مئات الاقتراحات من الناس للخروج من هذه الأزمات.
ففي علم الإدارة انتهت نظرية المدير الملهم الذي يعرف ويعلم ويعمل كل شيء وأنه الموجه الأول والمعلم الأعظم، وأصبحت الأفكار الملهمة تأتي من القاعدة الكبيرة، وهنا أقصد الناس ولنا في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي تجربة حية، ووفقا لما أعلنه مجلس أمناء الحوار أنه تلقى عشرات الآلاف من الاقتراحات والمطالب من الناس، لعرضها على الحوار الذي لا نعلم موعد انطلاقه حتى الآن، فلو كانت هذه الاقتراحات تم مناقشتها بصورة علنية من خلال جلسات استماع من المتقدمين بها لكان التفاعل أصبح أكبر حولها ووجدنا حلولا عملية للمشاكل التي نواجهها.
فلم يعد إلهاء الناس أمرا مجديا الآن خاصة أن بعض الأشخاص الذين يتم استخدامهم في هذه الحالة يخرجون على السيطرة بعد أن تأخذهم الجلالة والعظمة ويصدقوا أنهم فوق القانون، بل البعض يعتقد أنه القانون نفسه.
والمواجهة والمصارحة والمكاشفة والجدية في طرح المشاكل ونشر المعلومات الحقيقية تساعد على إيجاد حلول، وتخلق حالة تضامن شعبي واسع مع الحكومة حتى يتم العبور من هذه الأزمات التي أتت علينا من حيث لا ندري ورغم انفنا.
فنحن الآن نحتاج إلى تفكير هادئ بعيدا عن محاولة البعض جرنا إلى معارك فرعية، فنحن نحتاج إلى كل رأي من الخبراء الحقيقيين وآراء كل إنسان صادق يحب هذا الوطن للخروج من هذه الأزمات التي لا ذنب لنا فيها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية