عود على بدء .. فعلى مدى أسبوعين متواصلين، تبارى المرشحون في انتخابات نقابة الصحفيين والتي تنعقد يوم الجمعة ١٧ مارس ٢٠٢٣م بمقر مبنى النقابة وسط القاهرة، تباروا جميعا في التقديم والتعريف بأنفسهم وببرامجهم إلى أعضاء الجمعية العمومية التي تضم حوالي ١٠ آلاف عضو من الصحفيين النقابيين.
وقراءة في المشهد بعمومه، والمتأمل فيه بهدوء سوف يصاب بحزن يضرب في الأعماق، فقد ركزت كل البرامج بلا استثناء على تقديم وعود بخدمات بعضها واقعي ومطلوب وأغلبها يقترب من الوهم والخيال، واصلا إلى الخداع البراق.
فكل الوعود والأحلام التي أطلقها الزملاء كلها تتعلق بتغذية الجيوب والبطون وغابت من بين ثناياها تغذية العقول والروح، فلم يعد للحرية مكان وسط هذا الازدحام إلا سطور خجلى لا تشفي غليلا، ولا ترضي طموحًا، ولا تحفظ كرامة، وإنما ذكرت فقط على استحياء حتى لايتهم المرشح بأنه « يا خساره نسي» وكلها كلمات مكتوبة أو منطوقة تخرج منه بخجل ولا يقدر حتى مناقشتها مع الزملاء أو الاستفاضة فيها، فقد اهين الصحفيون خلال ١٠ سنوات بما يكفي، كما تراجع دورهم لآخر الصفوف فبعد أن كانت « السلطة الرابعة» و«صاحبة الجلالة» تحولت خلال هذه السنوات العجاف إلى خادمة البلاط السلطاني، ولا يمكنها التعبير عن شيء ولا حتى عن نفسها.
فرويدا رويدا دهست الخدمات والمطالب المعيشية بأحذيتها علي رقبة «الحرية» التي كانت قدس الأقداس للصحف والصحفيين الحقيقيين، في وقت من الأوقات، ولما سمحنا بدخول الساحة لمتطفلين وأصحاب نفوذ واجندات وبمساعدة من الداخل تحولت الي شيء مثل بقية الأشياء، ومهنة مثل كل المهن، بل أصبحنا في ذيل المهن، واهتزت ثقة الناس فينا، بل فقدناها تماما، ببساطة لأننا لم نعد معبرين عنهم وعن مشاكلهم وقضاياهم، وأصبحنا نعبر عن اتجاه بعينه، وطائفة محدودة قد لا تحظى بقبول جماهيري واسع فانفض الناس عنا، وأرقام التوزيع دليل دامغ علي صحة ما نقول.
أعود لقضية الخدمات التي أهانت كل الصحفيين، وتوارت أمامها قضايا الرأي وفضيلة الحرية، حتى أضحى أقصى أمانينا، زيادة البدل أو الحصول على تخفيض ٥٠% في المواصلات العامة، أو علاج في مشفى، أو حتى أي ميزة عند جزار أو لشراء أرجل دجاج.
المؤسف أن دخول الصحفيين أصبحت الأدنى من بين كل فئات المجتمع، ولم يعد لكارنيه النقابة تلك القيمة التي كان عليها، وإنني أزعم أننا جميعا نخشى الإفصاح عن هويتنا لما نجد في المجتمع من صد وأعراض عنا، ليس للشخص بل للمهنة برمتها.
واؤكد أن الجماعة الصحفية برمتها مسئولة عن هذا التراجع والهراء الذي نعيشه والضعف والخذلان والخزي الذي يلاحقنا، لأننا وببساطة لم نعد لسان حال الناس.
تاريخنا كان عظيما، وكان يحتوي كل شيء ولا غيره شيء إلى أن تم اغتصاب نقابتنا بفعل فاعل معلوم للجميع، بمعاونة من أبناء جلدتنا معروفون لنا أيضا، والعجيب أننا الآن أصبحنا نصفق لهم ونطالب الجماعة بمنحهم الأصوات ليجلسوا على الكراسي، للإجهاز على ما تبقى من بصيص أمل.
فهل يمكننا أن نتمسك بأهداب هذا الأمل الذي يوشك أن نفقده؟ وأرى أن ذلك ممكنا أن أحسنا الاختيار، وتمكنا من عمل فرز للمرشحين واستبعاد كل من ركز على الخدمات، وتناسي الحريات، أو حتى ذكرها على “استحياء” فهؤلاء لا يستحقون صوتنا.
خاتمة الكلام:
نداء إلى الزملاء الأعزاء أحسنوا الاختيار لأن الأربع سنوات المقبلة ستكون فاصلة في حياة المهنة والصحافة برمتها.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية