ما فرض الله شعيرة على المسلم الا ولها حكمة، فضلا انها امتثال لأمر الله المعبود دون غيرة، المتفرد بالألوهية والربوبية وحده لا ينازعه في ذلك أحد، فإن الصيام من بين الشعائر التي لها حكم عظيمة، ومزايا كثيرة.
وعلي مدى أيام عددنا بعض الفضائل الأخلاقية للصيام، تلك العبادة الروحية السرية بالدرجة الأولى، وليس من قبيل التكرار أننا نؤكد على عظمة هذا العبادة التي جعل الله الجزاء عليها من اختصاصه هو فقط، وخصص بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه أحد غيرهم وهو باب الريان، اولجنا الله جميعا منه وجعل لنا فيه حظا ونصيبا.
ومما يحث عليه الصيام أي شهر رمضان المعظم، هو جبر خاطر المكسورين، والأخذ بيد المحتاجين، وعيادة المرضى، وإعطاء المحرومين.
وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري: «ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم».
ومن لطيف ما قرأت في هذا أنه لو التفَتَ الإنسان قليلاً حوله لرأى المجتمع يزخرُ بمكسوري الخاطر الذين ينتظرون مسحةَ حنانٍ أو ابتسامةً صادقةً أو كلمةً طيبةً؛ ترسم معنى الأخوّة الحقيقية وتعبِّر عن صدق الإنسان في عباداته الشّعائرية المتنوّعة.
فكم مريضٍ وجريحٍ أقعدته آلامه وجراحه عن زحمةِ الحياةِ ينتظرُ من يأتيه ليُفطر معه ويسلّيه في وحدته ويُبَلسم جراحاته وآلامه!
وكم لاجئٍ مُهَجَّرٍ يتشوَّق إلى من يواسيه في غربتِه ويؤنسُه في وحدته!
وكم يتيمٍ أو ابن شهيدٍ أو ابن أسيرٍ يتوقُ إلى يدٍ حانيةٍ تمسحُ على شعره وسلوكٍ راقٍ يُدخلُ السّرور إلى قلبه ولا يكتفي ببعضٍ من المال يدسُّه محسنٌ في جيبِه ثمَّ يُدير ظهرَه ويمضي وَقد ظنَّ أنه فعل البرَّ كلّه!!
ولو فتَّش المرءُ عن العباداتِ السلوكيَّة الاجتماعيّة التي تجبرُ الخاطرَ الكسيرَ؛ لوجد نفسه أمام بحرٍ لا ساحلَ له من الأعمالِ التي دعا إليها الإسلام ليبنيَ المسلم الرَّاقي في تعامله الإنساني.
فما أكثر الخواطر المكسورة، وما أعظم الآلام المتدفّقة من القلوب، وما أحوجَ واقِعَنا إلى أن يثمرَ الإقبالُ على القرآن الكريم والقيام والعبادة في رمضان؛ عبادةً سلوكيةً عند الصائم تدفعه إلى تحسُّسِ أحوالِ المجتمع من حوله، وتعرُّف أصحابِ الخواطر الكسيرة والسّعي إلى جبرها تقرُّباً إلى الله تعالى وعدم الإغراق في التقاليد الاجتماعية والمُجاملاتِ المُتعِبَة؛ ووضعها في نصابها وإعطائها قدرها اللَّازم لها ، والله تعالى قد وضع لنا الميزان في ذلك إذ قال:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص: 77
وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجاً، وذاك مريض والآخر مبتلى … والهموم كثيرة. وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.
ومما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبر الخاطر أنه قال – صلى الله عليه وسلم: (تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة)، فإن الابتسامة التي نرسمها، ولا تأخذ منا إلا ثانية واحدة في وجه أخونا نأخذ عليها أجراً كبيراً، لأنها تساعد على جبر خاطره، وتزيل همومه.
كما قال رسول – صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)، فكل أمر من الأمور التي تجبر بها خاطر أخيك المسلم هو مردود لك من عند الله – عز وجل –، ومؤكد أن عطاء الإنسان ليس مثل عطاء الله.
وللحديث صلة غدًا إن شاء الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية