لله في أيام دهره نفحات، ألا فتعرضوا لها، فهي فرص يمنحنا الله إياها، لمحاولة الاستفادة منها، وشهر الصيام أعظم هذه النفقات والفرص، فكيف نستغل تلك الفرص، للإقلاع عن بعض العادات السيئة، والأفعال التي نقع فيها سواء بإرادتنا أو رغما عنا، ثم يأتي رمضان كل عام، ونبتعد، أو نقلع عنها برضا أو رغما عنا.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الصيام دورة للتخلص من العادات الضارة كالتدخين والكذب ومشاهدة الأفلام والمسلسلات ونحوها من المفطرات الحسية أو المعنوية، وترك الإنسان لذلك نهارا كاملا على مدى شهر كامل معين للمسلم الصائم على تعود الإقلاع عنه وتركه تركا كليا، فإننا بذلك نكون قد حققنا جزءا كبيرا من مراد الله في الصيام.
فالصائم الذي يمتنع عن شرب الدخان بأنواعه مع العلم بأن التدخين علي أبسط الفتاوى وأقربها للصواب أنه أي التدخين مكروه كراهة الحرمة، فمن يمتنع عن هذه الخبائث خلال أربعة عشر ساعة في اليوم، ثم خلال ساعتي التراويح وقراءة القرآن والقيام والتهجد، يمكنه كذلك الاستمرار، في الإقلاع عنها، متسلحا بالإرادة الصادقة والعزيمة الفولاذية بأن يتركه نهائيا.
خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار والاعتقاد أن هذا شيء قريب من الحرمة، وأن ضيق العيش الذي أصاب الناس جميعا حاليا، يجعلنا نعيد ترتيب أولوياتنا في الصرف والانفاق، وأنه إذا أصر الصائم على تناول هذه الخبائث فإنه سينقل من دائرة المكروه إلى الحرام مباشرة، ومن هنا فلنجعل من شهر الصيام فرصة عظيمة نقلع خلالها عنه، ونترك كل الموبقات المشابهة له.
وأيضا من العادات السيئة التي يمكننا أن نقلع عنها خلال الشهر الفضيل هي عادات الكذب وثرثرة الكلام، ولغوه، حتى لا يقع تحت طائلة القانون الذي سيحكم يوم القيامة «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم»، وإذا استرجعنا نص هذا الحديث نجد فيه دستورا وبرنامجا كاملا لطريق المسلم إلى الجنة فقد روى الترمذي في سننه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حَتَّى بَلَغَ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!».
ولقد حذر الرسول مرارا وتكرارا من الوقوع في مفسدات الصيام بشكل مجاني فقد قال صل الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وحديث آخر يقول فيه الرحمة المهداة محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم، «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، وأغلب الصائمين ملتزمون بذلك إلا من شذ وخرج عن طور صيامه بجهل أو ضعف إيمان.
كما أن من العادات التي يجب أن يتخلص منها المسلم الصائم في رمضان هي الإسراف والتبذير، فقد ذم الله ورسوله الأكرم هاتان الخصلتان، واعتبرهما من صفات الشياطين «إِنَّ الْـمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا» الإسراء- آية (27)، وبعدها بثلاث آيات ذم الإسراف قائلا عز شأنه، «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ» الأعراف- آية (31).
كما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم في ذم الإسراف والتبذير الكثير من الأحاديث التي تبغضهما للمسلم السوي عموما والصائم علي وجه الخصوص، فعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ ، فَأَكَلَ كَثِيرًا ، فَقَالَ : يَا نَافِعُ ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) رواه البخاري ومسلم.
كما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه، وفيما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف».
والمسلم وسط في كل شيء في دينه وفي حياته وفي قوله وفعله، فنحن الأمة الوسط كما أرادنا الله سبحانه وتعالى، «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» البقرة- آية (143)
ولذا ينبغي أن يُنْتَبَهَ لأمرٍ وهو أن الإنفاق في الحقِّ لا يُعَدُّ تبذيرًا؛ قال مجاهد: «لو أنفق إنسانٌ مالَهُ كلَّهُ في الحقِّ، لم يكن مبذِّرًا، ولو أنفق مُدًّا في غير حقٍّ كان مبذِّرًا».
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية